الشرقُ شرقٌ، والغربُ غربٌ، ولن يلتقيا:(روديارد كبلنغ).

بقلم: عماد خالد رحمة _ برلين

لم تنقطع خططُ الاستعمار الغربي عن التعبير عن نزعة الفصل بين ثقافات شعوب الأرض وحضاراتها؛ بدءًا من أطروحة «صراع الحضارات» لصموئيل هنتنغتون، مرورًا بـ «نهاية التاريخ» لفرانسيس فوكوياما، ومشاريع التقسيم التي نظّر لها برنارد لويس، وانتهاءً بروديارد كبلنغ صاحب المقولة الشهيرة: «الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا»، وغيرها كثير.
وقد نُشرت كتاباتٌ عديدة، بمختلف اللغات الأوروبية، حول إعادة رسم تضاريس العالم وفق مقياس رسم جديد، وكأنّ كل المبادرات والمحاولات الثقافية الداعية إلى تعايش الحضارات باتت في مهبّ الإرهاب ورياحه السامة.
وقبل أحداث برجي التجارة في الولايات المتحدة، والعملية الإرهابية في باريس، كان الاستشراق، بكل موروثه الكولونيالي وأدبياته العرقية، على وشك الانتهاء، لتحلّ مكانه دراسات إنسانية تبحث عن القواسم المشتركة بين الشعوب بدل تعميق الحدود الفاصلة بينها. وبالفعل، أصدر أحد أبرز المستشرقين الفرنسيين، جاك برك، بيانًا ودّع فيه الاستشراق الكلاسيكي، وكان ذلك قبل أعوام من صدور كتاب «صراع الحضارات» لصموئيل هنتنغتون.
غير أنّ السؤال الجوهري يظل قائمًا: هل كانت محاولات التبشير بالتعايش والتكامل بدل الصراع هشّة إلى الحد الذي يدفع البعض إلى إعادة النظر في جديتها وجدواها؟
إنّ الغرب، شأنه شأن أي جهة أخرى، سواء وفق بوصلة الجغرافيا أو بوصلة التاريخ، ليس كيانًا متجانسًا، ولا يمكن وضعه كلّه في قارب واحد. فثمّة فلول من الاستشراق ظلّت تتربص، بانتظار مناسبة من طراز الحادي عشر من أيلول، كي تستأنف نشاطها المعادي للتعايش، وسعيها إلى تقسيم الكوكب على أسس عرقية ودينية. فجاءت الأحداث الإرهابية ذريعة جاهزة سارعوا إلى استثمارها.
وفي المقابل، هناك مثقفون غربيون لم تكن أطروحاتهم موسمية أو مجرّد موجة عابرة؛ بل زادتهم تلك الأحداث قناعة بأن تحرير البشر من ثقافة النزاع ومن إفرازات الطغيان هو السبيل الوحيد لجعل الإقامة على هذه الأرض ممكنة. غير أنّ هذه الفئة ليست هي الأكثرية، إذ تجد نفسها في مواجهة تيار عريض تغذّيه نوازع عرقية وتطرّف فكري يمارسه اليمين الراديكالي، لأسباب لا علاقة لها بما يُعلن أخلاقيًا أو ثقافيًا.
والمطلوب اليوم، في خضمّ هذا السُّعار الذي يشعله المتطرفون من مختلف الأجناس، هو تعاون فاعل بين المعتدلين والمستنيرين في العالم، كي تعود مقولة كبلنغ إلى قبرها.
ويبقى التساؤل الأهم:
ما الدور الفاعل الذي ينبغي أن نلعبه نحن العرب في هذا المجال؟