لوبي داخل الجهاز الدبلوماسي الأوروبي عطّل أي عقوبات ضد إسرائيل

السياسي –  تحت عنوان: كيف تعطّلت الدبلوماسية الأوروبية بسبب موظفين “مهادنين جدًا” مع إسرائيل، قال موقع “ميديابارت” الاستقصائي الفرنسي، في تحقيق له، إن الاتحاد الأوروبي فشل، على مدى نحو عامين، في اتخاذ أي إجراءات عقابية فعّالة ضد إسرائيل على خلفية الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني في قطاع غزة، معتبرًا أن هذا الفشل لا يعود فقط إلى الانقسامات العميقة بين دوله الأعضاء، بل كذلك إلى دور مباشر لعبه عدد من كبار المسؤولين داخل خدمة العمل الخارجي الأوروبية (SEAE)، الذين اتُّهموا بتعطيل أو إفراغ أي مبادرة دبلوماسية يمكن أن يتم تفسيرها على أنها “غير ودّية” تجاه إسرائيل.

استنادًا إلى شهادات دبلوماسيين وموظفين حاليين وسابقين في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، يضيف الموقع الاستقصائي الفرنسي، فإن هذه المرحلة كانت “مؤلمة وعنيفة” بالنسبة لكثير من العاملين في السلك الدبلوماسي الأوروبي، ومثّلت في نظرهم “انحرافًا خطيرًا عن قيم الاتحاد الأوروبي” القائمة على احترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون الدولي، والتوازن في السياسة الخارجية. واعتبر أحدهم أن الاتحاد “فقد بوصلته الأخلاقية والإنسانية”.
“ميديابارت” اعتبر أن الجمود الأوروبي لم يكن نتيجة الخلافات بين الدول الأعضاء فقط، بل إن “الآلة الإدارية” نفسها كانت معطَّلة من الداخل.

فبحسب مصادر متعددة، فإن عددًا محدودًا من كبار المسؤولين، الموجودين في مواقع إستراتيجية داخل SEAE، عملوا بشكل ممنهج على إبطاء أو عرقلة أي مسار يمكن أن يقود إلى فرض عقوبات، أو حتى إلى تصعيد سياسي أو قانوني ضد إسرائيل.

وأشار “ميديابارت” إلى أن من بين أبرز هذه الأسماء: ستيفانو سانينو، الأمين العام لخدمة العمل الخارجي الأوروبية بين عامي 2021 وبداية عام 2025، والذي وُجّهت إليه لاحقًا اتهامات في قضية احتيال على أموال أوروبية.

والألماني فرانك هوفمايستر، مدير الدائرة القانونية في SEAE، والمعروف بقربه السياسي من التيارات الألمانية المؤيدة لإسرائيل.

والدبلوماسية الفرنسية هيلين لو غال، المديرة العامة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2022.

والسفيرة السابقة لفرنسا لدى إسرائيل. وقد أكد عدد من الدبلوماسيين الأوروبيين أن هذه الأخيرة عملت مع مسؤولين آخرين “ضد التوجهات التي كان يدافع عنها الممثل الأعلى للسياسة الخارجية آنذاك جوزيب بوريل، بل وحتى ضد الموقف الرسمي لفرنسا نفسها”، في سابقة نادرة داخل الجهاز الدبلوماسي الأوروبي.

وتابع “ميديابارت” موضّحًا أن الانقسام داخل المؤسسات الأوروبية تعمّق بشكل خاص بعد هجوم السابع من أكتوبر عام 2023.

ففيما برز خط سياسي “شديد الانحياز لإسرائيل” تمثّله رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، سعى بوريل إلى الدفاع عن مقاربة أكثر توازنًا، تستند إلى القانون الدولي، وترفض إعطاء إسرائيل “تفويضًا مفتوحًا” لشن عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد المدنيين في غزة.

انعكس هذا الصراع سريعًا داخل SEAE (الجهاز الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي)، حيث جرى، في شهر نوفمبر عام 2023، تعطيل تقرير داخلي أعدّته وحدة الاتصال الإستراتيجي حول حملات التضليل الإعلامي الإسرائيلية. وأكدت مصادر من داخل هذه الوحدة أن التعليمات كانت واضحة: “عدم العمل على ملف التضليل الإسرائيلي”. ونتيجة لذلك، لم يتم توزيع التقرير، الذي كان مخصصًا لنقاط الاتصال الوطنية في آلية الإنذار المبكر الأوروبية لمكافحة التضليل، يضيف الموقع الاستقصائي الفرنسي.
“ميديابارت” أوضح أن هذا التعطيل جرى في وقت كانت فيه حملات التشهير والمعلومات المضللة تتصاعد، خاصة ضد وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وضد مسؤولين أوروبيين بارزين، على غرار الهجوم العلني الذي شنّه وزير الخارجية الإسرائيلي على جوزيب بوريل في سبتمبر عام 2024، متهمًا إياه بـ“معاداة السامية”، دون أن يقابل ذلك بأي رد دبلوماسي حازم من قيادة SEAE.
كما أوضح الموقع الاستقصائي الفرنسي أن المعركة لم تكن سياسية فقط، بل لغوية أيضًا، حيث دار داخل المؤسسات الأوروبية “نزاع يومي حول الكلمات”، شمل البيانات الرسمية والتصريحات العلنية.

وبحسب شهادات متعددة، كانت الصياغات القادمة من قسم الشرق الأوسط في SEAE تميل إلى تبني الرواية الإسرائيلية، أو استخدام لغة مبهمة، مثل اللجوء إلى المبني للمجهول عند الحديث عن مقتل المدنيين أو الصحافيين في غزة، بما يخفف من وطأة المسؤولية.

في هذا الصدد، أشار “ميديابارت” إلى مثال بارز في بيان جوزيب بوريل بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة في بداية شهر مايو عام 2024، حيث تم نقاش طويل حول مجرد الإشارة إلى أن الصحافيين قُتلوا أثناء تغطيتهم الحرب في قطاع غزة، دون ذكر الجهة المسؤولة. واعتبر مصدر أن هذه المعارك اللغوية “استنزفت وقتًا هائلًا كان يفترض أن يُكرّس للعمل على العقوبات”.
كما أكد الموقع الاستقصائي الفرنسي أن الانحياز ظهر بوضوح في اختيار المصادر القانونية، إذ استندت تحليلات قانونية داخل SEAE حول “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس” إلى لقاءات مباشرة مع مستشارين قانونيين وعسكريين إسرائيليين، دون الاستعانة بمراجع أممية أو خبراء مستقلين. ووصف دبلوماسي أوروبي أحد هذه التقارير بأنه “يبدو وكأنه كُتب على يد محامي الجيش الإسرائيلي”.

وأضاف أن التشكيك في أعداد الضحايا المدنيين في غزة ظل حاضرًا في وثائق الاتحاد الأوروبي، حتى بعد صدور دراسات مستقلة، بما فيها دراسة لمجلة The Lancet، أكدت أن الأرقام الرسمية قد تكون أقل من الواقع. ومع ذلك، استمرّ بعض الوثائق في التشديد على أن وزارة الصحة في قطاع غزة “خاضعة” لحركة “حماس”، بهدف زرع الشك في مصداقية الأرقام.
وأشار “ميديابارت” إلى أن لهذه العوامل مجتمعة أثرًا مباشرًا على فشل الاتحاد الأوروبي في تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، رغم أن المادة الثانية من الاتفاق تنص صراحة على ربط التعاون باحترام حقوق الإنسان. فبرغم إعلان أورسولا فون دير لاين نيتها اقتراح تعليق جزئي للاتفاق، لم يُقدَّم أي مقترح رسمي إلى مجلس الاتحاد للتصويت، سواء بسبب معارضة دول مثل ألمانيا والمجر والنمسا، أو بسبب التباطؤ الإداري داخل SEAE.
وقد اضطرّ فريق جوزيب بوريل، نتيجة فقدان الثقة، إلى الاعتماد على جهات خارج SEAE لجمع المعلومات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان في قطاع غزة. وأسفر ذلك عن تقرير أُعدّ في شهر يوليو عام 2024، وثّق جرائم حرب محتملة وجرائم ضد الإنسانية، وأشار إلى العدد الكبير من الضحايا المدنيين، ولا سيما الأطفال، وإلى الهجمات على المستشفيات والمدارس.
وأكد “ميديابارت” أن الاستياء داخل بروكسل ما زال يتصاعد، لكن المبادرات الأوروبية بقيت محدودة وضعيفة التأثير، ولا سيما بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وطرح “خطة ترامب”، ما أدى عمليًا إلى تجميد أي تحرك أوروبي جدي.