أدب الثورة “رواية سافوي” لمهند طلال الأخرس نموذجا …

بقلم رائد محمد الحواري

قراءة نقدية

إذا ما عدنا إلى  الأعمال الروائية التي تناولت الثورة الفلسطينية سنجدها محدودة، وهنا أذكر رواية “حبيبتي مليشيا ومجموعة عكا 778” لتوفيق فياض، “الرب لم يسترح في اليوم السابع، آه يا بيروت، ” لرشاد أبو شاور،  “نشيد الحياة” ليحيى يخلف، “مليحة، الشمس تولد من الجبل” لمحمد البيروتي، بيروت بيروت صنع الله ابراهيم ويعود هذا الشح إلى عدة أسباب، منها: الاهتمام بأدب المقاومة في الأرض المحتلة، وإلى عدم الاهتمام روائيا بتدوين أعمال وأفعال ونهج الثورة كثورة روائيا.

“مهند طلال الأخرس” أنتبه إلى هذا النقص، وأخذ على عاتيه تعبئته، فكتب في “تحت ظل الخيمة، سافوي، الجرمق” وهو بهذا يتماثل مع ما قدمه “أبو شاور” روائيا، وإذا علمنا أن هناك زمن (طويل) بين الأحداث الروائية وكتابتها، نعلم حجم المشقة والجهد والبحث الذي بذلة الروائي لإنجاز عماله الروائية.

الفدائي

في زمن تتكالب فيه الأقلام المشبوهة للنيل من الثورة الفلسطينية، وتقديمها كمشروع وجد لخدمة الأعداء والاستعمار، يأتي من يرد على هؤلاء ردا حاسما، ردا أدبيا، مؤكدا أن الثورة الفلسطينية كانت أنبل ظاهرة وجدت في التاريخ العربي المعاصر، فكان الفدائي يتماثل مع النبي الذي نذر نفسه وحياته وجهده وفعله لخدمة وطنه وشعبه وقضيته.

“غضنفر” يحدثنا عن عملية “فندق سافوي” التي تمت في 5/3/1975، من بداية الإعداد لها، ومراحل تنفيذها، وتفاصل الاشتباكات التي تمت بين الفدائيين وبين وقوت الاحتلال، في بداية الاستعداد والتدريب على العملية كانت هناك شروط يجب توفرها لنجاحها، منها: “لم يكن مسموحا لنا السؤال عن الخطوة القادمة، كل ما هو مسموح لنا أن نحلم بالتحرير والعودة” ص29، هذا الكتمان عن المراحل اللاحقة، يشير انضباط الفدائي والتزامه بالتعليمات، وثقته المطلقة بقيادته، فقد سلم نفسه لمن هم أهل لتحرير فلسطين.

قبل تنفيذ العملة تم أخذ صورة جماعية لكل أفراد الخلية، لكن الصورة: “لم يسمح لأحد منا بأن يحتفظ بنسخة منها” ص112، وهذا يعود إلى الحرص الأمني والسرية التي تلازم العمل الفدائي، وأيضا يشير إلى حرص القيادة على الاحتفاظ بصور للفدائيين، بمعنى أن الثورة تهتم بعناصرها وتوثق بطولاتهم.

يصف لنا السارد طريقة ووقت إبحار إلى فلسطين  بهذا الشكل: “كانت عقارب الساعة تشير إلى الثامنة من مساء يوم الخامس من آذار حين ركبنا البحر إلى أجمل رحلة في الكون، رحلة العودة إلى شواطئ يافا…كأن من يمخر البحر هي أحلامنا، وليست الحقيقة، للوهلة الأولى بدا لو أننا غير موجودين، ولولا تنبيهات خضر ونايف لجميع إن كان هناك أحد آخر يريد قضاء حاجته لما عدنا من شرودنا” ص176، نلاحظ دقة تحديد الوقت الذي يشير إلى نشوة المجموعة الفدائية ولهفتها للوصول إلى فلسطين، إلى يافا، فالسارد لا يقدم لنا عملية فدائية قتالية، بل رحلة استجمام، رحلة فرح، رحلة لقاء الأحبية، من هنا وجدناهم يحلمون/ يفكرون بمن يحبون، بفلسطين وبحرها، بحر يافا.

كما نلاحظ أن السارد يتجاهل التسمية الصهيونية “تلابيب” ويستخدم “يافا” الاسم الفلسطيني العربي، وهذا أيضا متعلق بالحالة النفسية والوجدانية التي يعيشها أبطال العودة، فهم يريدون مدنهم كما هي، كما كانت، دون تشويهات أو إضافات.

يستمر السارد في الحديث عن رحلة العودة بقولة: “ومع كل ضربة مجداف بالبحر كنا نصر أكثر على الوصول والنصر، طلب منا خضر أن نتناوب على التجديف مناصفة، كان النصف المستريح من التجديف يشبع أعينه من جمال المنظر، بدت فلسطين أقرب أكثر من أي وقت مضى” ص180، مرة أخرى يؤكد السارد أنهم في رحلة استجمام، رحلة العودة ولقاء الأحبة، متجاهلين/ ناسين أنهم ذاهبون في مهمة عسكرية، وهذا يعود إلى عشقهم للمكان الذي ينتمون له، فهالة المكان وقدسيته جعلتهم يستمتعون بمنظر بلادهم وهم قادمون إليها، هكذا هو الفدائي الذي يجعل  مشاعره هي من تقوده، فكان فرحتهم وسعادتهم وبهجتم برؤية فلسطين تنسيهم الخطر المحدق أمامهم.

الفدائي ليس مجرما ولا قاتلا، بل صاحب قضية، وما حمله البندقية إلا ليسترد وطنه السليب، بعد وصول المجموعة إلى شاطئ يافا، يجدون فتاة مع شاب، الشاب يولي هاربا والفتاة ترفض الابتعاد وتصر على السير مع المجموعة، وهنا يحدث إرباك بين أفرادها، مما حدى “بخضر” مخاطبة المجوعة: “اعتبروني لم أحسن التصرف معها، لكني لن أقتلها، ومن أراد فليفعل هو ذلك، أما أنا فلا، مهمتنا أخذ ما نستطيع من الأسرى ومبادلتهم بأسرانا، لسنا قتلة، نحن مناضلون وأصحاب قضية عادلة” ص185، اللافت في هذا الموقف الجانب الإنساني، فرغم الخطورة التي يمكن أن تشكلها الفتاة عليهم، إلا أن القائد رفض قتلها، وآثر المخاطرة بالمجموعة وبالعملية ـ رغم أهمية العملية، مبادلة رهائن بأسرى ـ  على الإقدام بعمل غير إنساني، وهذا يشير إلى الأخلاق والمثل العلى التي يتمتع بها الفدائي، فالقيم الثورية تحول دون قتلهم أبرياء، حتى لو كانوا يشكلون خطرا على حياتهم ومهتهم، وهذا رد على كل من يشوه الثورة ويذم فدائييها.

هذا الموقف الإنسان لازم العملية حتى في تنفيذها، تقوم المجموعة بوضع الأثاث كتحصينات أمام باب الفندق، ومن ضمنها بيانو، لكن إحدى العاملات في الفندق تتضرع  بعدم وضعه لقيمته الأثرية، وهنا تستجيب المجموعة لطلبها، رغم أن البيانو من مسروقات الاحتلال للبيوت الفلسطينية عام 48.

أثناء العملية يصاب “نايف” برصاصة، فكيف تعامل مع هذه الإصابة؟: “تلك الرصاصة لم استطع تجنبها، لكنها حسنا فعلت، فهي جرس الإنذار الذي ينبهنا، تلك إشارة من الله كنا بحاجتها” ص200، نلاحظ الثقة بالنفس، وعدم الفزع، لا من المصاب ولا من بقية المجموعة، وأكثر من هذا تعامل “نايف مع الإصابة على أنها (خير) من الله لأنها أنذرتهم بخطورة وضعهم، وهذا  يؤكد صورة الفدائي النبي، صورة الفدائي المغوار، الذي يحسن التصرف والتعامل مع كل الحالات والظروف.

وعند يستشهاد “خضر”  قائد المجموعة نظر رفاقه إلى استشهاده بهذا الشكل: “لمع ذلك النجم الساطع، فتح الباب، لمع ذلك الضوء الساطع الذي يسلبنا عيوننا، سقط خضر، تمكنت منه رصاصة واحدة، تكفلت تلك الرصاصة بحجز مقعده في الجنة، أصبح لفلسطين نجمة جديدة في السماء” ص202، نلاحظ الجلد والثبات حتى عندما يستشهد القائد، فتعاملت المجموعة مع استشهاده كإنجاز لهم ولفلسطين، لهذا تحدث السارد عن النجمة والضوء الساطع في سماء فلسطين، وهذا ما يميز المقاتل صاحب العقيدة ، صاحب القضية العادلة، قضية فلسطين.

وهذا يمثل ردا على كل من يقول في الثورة وفي الفدائيين، فالفاشلون/ الخون/ المنبطحون يريدون إلصاق صفاتهم وطبيعتهم القذرة بالنبلاء أنبياء هذا العصر، لكن هيهات لهم النيل منهم ومن مكانتهم ومن فضائل أعمالهم وأفعالهم، فهم نجوم السماء التي يسترشد بها كل (ضائع/ تائه) يريد الوصول إلى بيته، قريته، مدينته، بلاده.
العاطفة

الفدائي ليس آلة/ ماكنة، بل هو إنسان يحمل مشاعر حساسة، وهذه المشاعر هي ما يميز الفدائي/ النبي، “الحاجة سرحانة” التي فقدت زوجها وأبنها شهداء، تأتي إلى معسكر التدريب تبحث عن “أبنها “ذيب” الذي تلتقي به، اللقاء كان عاطفيا مثيرا، حتى أن رفاق “ذيب” تركوا التدريب وعادوا إلى مهاجعهم دون إذن أو قرار من قائد المعسكر: “لم نكن بحاجة لصفارة الانصراف لنتفهم طبيعة وإنسانية الموقف، فالحنين أخذ منا مأخذه وضاقت عيوننا وغابت خطواتنا باتجاه المهجع” ص42، إذا ما توقفنا عند هذا المشهد نتأكد أننا أشخاص يحملون أحاسيس مرهفة، وأنهم ليسوا قتلة ولا مجرمين، وأنهم  لا يلتزمون بشكلية القوانين، بل بروح القوانين والتعليمات، لهذا تركوا “ذيب مع أمه سرحانة” يشبع لكل منها من الآخر.

والفدائي عاطفي بطبيعته، مشهد لقاء “ذيب وأمه سرحانة” فجر في “غضنفر” حاجته لأهله، لعائلته: “على السرير… غمرت نفسي تحت وسائد السرير وألحقتها بكل الأغطية والحرامات الموجودة… وتكورت على نفسي، علي أخفي الدموع، لم اعرف حينها أن الدمع له أصوات” ص44، عندما تحدث السارد عند هذا المشهد أراد به تأكيد إنسانية الفدائي وعاطفته الجياشة، فبدا “غضنفر” كشاعر، كطفل وليس مقاتل، هذا هو الفدائي، الإنسان، الحنون، المحب، العاطفي، وهذا يكفي لإزالة كل التشويهات التي يحاول العدو ومن لف لفه إلصاقها به.

الأسماء الحركية

ويحدثنا عن الأسماء الحركية وضرورتها الأمنية للفدائي، فكان يمنع تداول الاسم الحقيقي الذي لم يكن يعرفه إلا القادة فقط: “فأبو جهاد بالإضافة لسعد صايل أبو الوليد وعزمي الصغير من يعرفون الأسماء الحقيقية للمنتسبين” ص39، ولم تكن الأسماء الحركية تطلق جزافا، بل هناك فسلفة ثورية من ورائها: “لأسباب تتعلق بالوفاء لمن سبق وصدق، والتزاما منا بالسير على نهجهم، وأضاف آخر: لأن هذه الأسماء هويتنا القادمة وبها ننتقم من أعدائنا وننتصر على ذات الأنا، وقال آخر: لأنها خيارنا الذي نحب، لا خيار من أحبونا وأسمونا” ص17، مثل هذا الرؤية تنم على أن الأسماء الحركية تخدم أكثر من هدف، الناحية: الأمنية، التذكير بمن سبقوا وتقدموا نحو الشهادة وكانوا، وما يتبع ذلك من معنويات وروح قتالية، وإصرار على تكملة طريق الشهداء، نكران الذات وتأكيد حالة الولادة الجديدة للفدائي الذي يتحرر من واقعة كمشرد بعيدا عن وطنه، وتأكيد انفصاله عن الواقع الرسمي العربي وما فيه هزائم.

وبهذا تكون الأسماء الحركية أكثر من مجرد تغيير شكلي، لأنها متعلقة بفلسفة الثورة ونهجها نحو التحرير الذي يتغذى ويتقوى بالشهداء، وينظر إلى الأمام، إلى فلسطين الحرة والمتحررة من الاحتلال.

شخصيات عربية

الثورة الفلسطينية تمثل الصورة الشعبية ل(الجامعة العربي والأمم المتحدة” من هنا وجدنا العديد من المناضلين العربي وغير العرب ينتسبون لها ويقومون بأعمال الثورة، منهم الدكتور “محجوب عمر” القبطي المصري، الذي يتكلم أكثر من لغة، فقد كان “محجوب” يقوم بدور أساسي في تعبئة الفدائيين وتخليصهم من ألم الفقد، فهو يعرف اللغة الفدائيين مشاعرهم، ويعرف كيف يخاطبهم: “إنها السماء عندما تعطش تطلب منا الشهداء، وعندما نعطش نحن من حدة البكاء تشاركنا بشلال من الدمعات، تلك علامات النصر، فهنيئا لشعب تبكي شهداءه السماء” ص79، اللافت في هذا الكلام الفلسفة التي يحملها، “فمحجوب” جعل السماء تحزن وتشارك الفلسطيني ألمه/ حزنه، وهل هناك أعظم من السماء لتكون متآلفة/ مشاركة!! وهذا ما حول الحزن إلى طاقة إيجابية، تمد المحزون بالعزيمة والأمل.

وهناك من تعاطف مع الثورة الفلسطينية وشاركها مناسباتها، منهم: “جاكلين بيطار خطيبة الشهيد جول جمال الذي فجر البارجة الفرنسية إبان العدوان الثلاثي على مصر… لم تتزوج بعد استشهاده، وقد جاءت لحضور العرس ومحبس الخطبة ما زال في يدها” ص98، نلاحظ السارد يركز على أدق التفاصيل، يد “جاكلين” المحتفظة بخاتم الخطوبة، وكأنه يريد تذكير القارئ بأن هناك أوفياء، لم ولن ينقضوا العهد، كما أن هذا المشهد يشير إلى أن الثورة تلقي الاحترام والتقدير من عائلات الثوار والاصدقاء، فهي النموذج الأمثل لهم، لهذا نجدهم يشاركونها مناسباتها.

سورية وفلسطين ولبنان والأردن عبر التاريخ  بلدا واحدا، وبما أن هناك ثورة نبيلة تسعى لتحرير الأرض المحتلة، فقد وجد العديد من أبناء سورية مكانا لهم في هذا التحرير، العرس الذي حضرته “جاكلين بيطار” كانت العروس حفيدة القسام، وهذه إشارة إلى طبيعية تكوين الثورة ومن هم المؤيدين لها والداعمين.

وممن حضر ذلك العرس الفنانة المصرية “نادية لطفي” وهذا يؤكد أن الثورة الفلسطينية استطاعت استقطاب كل فئات المجتمع العربي، فالثورة روح الأمة التي تتنفس بها، وهنا نذكر بأن هذا الموقف/ المشهد بمثابة رد حاسم على كل من انتقد القيادة الفلسطينية التي كرمت “نادية لطفي” واعتبرت تكريمها سفاهة واستهتارا بالثورة وبنهجها، فكما كرمت الثورة شهداءها بحمل أسمائهم من قبل الفدائيين، كرمت “نادية لطفي” التي كان حضورها يمثل دعما للثورة ولنهجها.

“معروف سعد” القائد الوطني اللبناني كان ممن ساهموا في دعم الثورة الفلسطينية، فقد جهل من بياراته مكان للثوار وللثورة، ومصدرا لإمدادها بالطعام، يحدث عنه السارد بقوله: “كان معروف لا يصنع معروفا معنا بقدر ما كان وطنا صغيرا لنا” ص118، نلاحظ أن هناك تماهي بين “معروف سعد” والثورة الفلسطينية التي فتح لها أبواب بياراته وأمدها بكل ما ليزمها، من تغطية أمنية، وغذاء، ودعم معنوي.

ونلاحظ أن السارد يستخدم لفظ “معروفا” كصفة لنهج “معروف سعد” فالتماثل بين لفظي “معروف ومعروفا” يشير إلى تماهي السارد وحبه/ لشخصية القائد اللبناني، فبدا هذا التماهي بين السارد وبين “معروف” سعد” كرد جميل على موقفه من الثورة، فالفدائي وفي ولا ينسى الجميل.

ويعرفنا على “توفيق حوري” صاحب الفضل في إصدار مجلة فلسطيننا، إذن الثورة الفلسطينية كانت تضم خيرة أبناء الأمة العربية، وخيرة الشعوب، وهذا ما جعل الأمير الكويتي “أبو الفهود” أحد المشاركين في الثورة.

الفلسطيني

لو افترضنا أن الفلسطيني وجدت حياة سوية، حياة طبيعية بعد أن هجرته من وطنه، هل سيفكر بالعودة لوطنه؟، وهل الثورة الفلسطينية جاءت من باب الترف والمغامرة، أم أن إنها واجب/ التزام/ حقيقة موضوعية يجب على كل شعب اضطهد وشرد من وطنه القيام بها؟ وهناك سؤال أخر: لماذا يعمل الفلسطيني على تقديم نفسه/ أبناؤه شهداء أو أسرى أو مفقودين في سبيل قضية (محسومة) لصالح عدوه؟ أما كان أفضل له القبول بالواقع كما هو  وعدم المغامرة بدمه وبماله وحياته فالمثل يقول: “العين ما بتواجه المخرز”؟

يمكن أن نجد في الرواية بعض الإجابات، بعد استشهاد عنصرين من المجموعة أثناء التدريب، لا بد من دفنهم، وهنا واجه الفلسطيني معضلة، مكان الدفن، تخيل، لا توجد أرض عربية تقبل بالفلسطيني حتى وهو ميت: “الشهداء الأثنين الذين حاولت الثورة إعادتهما إلى ذويهم في بلدان تواجدهم، فكان أن رفضت الأردن إدخاله عن الحدود، وكذلك فعل العراق بالجثة الأخرى” ص54، هذه إحدى أسباب الثورة الفلسطينية، فهي ضرورة إنسانية ووطنية وأخلاقية.

وعندما جاءت “سرحانة” إلى المعسكر التدريب تبحث عن ابنها “ذيب” تحدثت مع “أبو جهاد” وعن حالها وحال أسرتها: “استشهد زوجها في معركة الكرامة، وفقدت ابنها البكر في أحداث أيلول الأسود، واعتقل آخر وفقدت آثاره، ولم يتم العثور عليه للآن، ولم يبقى لها ولبناتها الستة من يرعاهم سوى ذيب” ص39، إذا ما توقفنا عند تسلسل فقدان العائلة سنجدها متسلسلة ومتتابعة ومتواصل،  فمأساة زوجها في الكرامة سببه الأساسي رحيله عن وطنه، فقرر استعادته من خلال مواجهة العدو، وفقدانها لابنها البكر جاءت لأنه حاول تكملة طريق والده الشهيد، فرحل  ولحق بوالده هو الآخر، والأبن المفقود تابع مسيرة والده، شهيد معركة الكرامة، ومسيرة وأخيه شهيد أيلول، وذيب سار على طرب أسرته، فجاء ليكمل الطريق.

السارد من خلال هذا المشهد يطرح حل المسألة الفلسطينية بطريق منطقية، عودة الفلسطيني إلى وطنه، والعيش بحرية وأمان كباقي شعوب العالم، عندها فقط يتوقف شلال الدم. فلا يمكن للفلسطيني القبول بالظلم الواقع عليه ويستلم للواقع، فثقافة الحضارية والدينية تمنعه من الاستسلام:

يا ألهي، هذا الشعب يعطي ما يفوق السؤال.

يا إلهي، هذا الشعب يُقتل ولا يموت” ص40.

فهو مؤمن بأن الموت في سبيل الحرية، في سبيل الوطن، في سبيل الله حياة وانبعاث من جديد.

إذن فكرة المواجهة أصيلة في الفلسطيني، ولا يمكنه التخلي عنها، فهي جزء من تركيبته النفسية، كالجنات (الطبع غلب التطبع) وما ثورة الظاهر عمر في عكا على الأتراك إلا صورة عن طبيعة هذا الشعب المتمرد.

المكان بالنسبة للفلسطيني جزء من تكونه/ من ذاتهم من وجوده، فهو يتعامل معه بقدسية، لهذا لا ينفك يذكر وطنه/ أرضه/ مدينته/ قريته/ “محمد توفيق البجيرمي”  يتحدث عن إجزم بلده بقوله: “تلك الهجرة المؤلمة من قريتنا إجزم على أثر النكبة…تم نقلنا إلى العراق عبورا بالصحراء الأردنية وصحراء الأنبار، وتحديدا إلى معسكر الشعبية عند مدينة البصرة، قبل أن يجري توزيعنا ما بين البصرة وبغداد والموصل…ما هي إلا سنوات حتى فقدنا اسم العائلة نهائيا لصالح اللقب الجديد “الجاحظ…كنت أحب أن أرى إجزم ولو لنظرة أخيرة، كنت سأغمض عيني كي لا أرى غيرها ص56 و57و59، إذن هناك عملية محو/ شطب/ إزالة لكل ما هو فلسطيني، فلسطين أصبحت إسرائيل، وعائلة البيجريمي الإجزمية أصبحت عائلة الجاحظ، هذا الإلغاء للإنسان وللمكان أوجب على الفلسطيني المقاومة والقيام بالثورة، فقد أصبح وجوده في خطر، فآن له أن يواجه ويبعد عنه خطر الإزالة والشطب والمحو.

ومن أسباب استمرار الثورة استمرار جرائم العدو وتفاقهما: “لجنة الدفاع عن المعتقلين والمبعدين من المناطق المحتلة تعلن أن عدد المبعدين بلغ حتى الآن أكثر من 1850 مبعدا، وأنه باحتساب عائلات هؤلاء المبعدين الذين لحقوا بأسرهم يبلغ عددهم أكثر من اثنا عشرة ألفا” ص86 و87، فجرائم الاحتلال لا تتوقف عند زمن أو مكان، ولا تقتصر على الفلسطينيين فقط، فهو يقتل ويدمر في كل المناطق العربية، وما تدميره للعديد من المناطق في سورية ـ حتى بعد أن أصبحت سورية دولة (معتدلة) ـ إلا صورة عن طبيعة الاحتلال، من هنا تصبح المواجهة ضرورة وجودية لكل شعوب المنطقة العربية.

السلاح

تعامل الفلسطيني مع السلاح بقدسه، فالسلاح من أعاد له وجوده وكرامته، والسلاح ليس أداة للقتل، بل أداة للحياة: “وتلك البنادق في المعسكر تشعرنا ونحن نمتشقها مع كل صباح بقرب يوم النصر واقتراب ساعات الفرح” ص91، كما أن السلاح هو وسيلة الخلاص من الهواجس الخوف من المستقبل: “أقنعت نفسي بأن تلك الهواجس الفلسطيني، فما أن يغزه الفرح حتى يبدأ بالتوجس والتعوذ من الشيطان الرجيم” ص225، فالشعب الذي يعيش بهذه العقلة، بهذا التفكير عليه الثورة ليكون شعبا طبيعيا، سويا يفرح بحرية دون منغصات.

أبو جهاد

يتوقف السارد طويلا وكثيرا عند مخطط العملية القائد “أبو جهاد” فهو قائدها الحقيقي ومن رسم مراحلها والهدف منها، “غضفنر” يقدم “أبا جهاد” بصورة التي رآها فيه، يصفه: “تعددت زيارته لنا في القواعد وكذلك في الأحلام، لأول مرة أرى قامته تزين السماء، تأخذ مكان البدر في إطلالته وتنوب عن الشمس إن غابت” ص5،  نلاحظ أن هنا جانب حقيقي/ واقعي “زياراته” وجانب نفسي/ الأحلام، وجانب وجداني تخيلي/ “البدر”، هذه الصورة لم تأت من فراغ، بل لأنه أستطاع تحبيب المجموعة به وبسلوكه، فعندما يأتي في الحلم فهذا مؤشر على الحميمة التي تجمع أبو جهاد مع المجموعة الفدائية.

يتقدم “غضنفر” أكثر في رسم صورة “أبو جهاد” بقوله: “يحبه كل من يراه لكنك لا تشبع من تلك الطلة ومن ذلك الحب…. في كل مرة تراه تشعر وكأنك لأول مرة تراه، لا تشبع من رؤياه ولا تمل” ص38، مثل هذه الصورة تتجاوز كون “أبو جهاد” شخصيا عاديا، فتبدو عليه القدسية، النبوة، لهذا هو محبوب من كل من يراه.

ونلاحظ أن السارد يكرر لفظ “يراه/ تراه/ رؤياه” وهذا يعكس الحالة النفسية التي يتركها القائد بمن يشاهده.

أما عن سلوك “أبي جهاد” وتعامله الفدائيين، فهو من خلص “الغضنفر” من البكاء عندما أنفجر عاطفيا، وهو من أقنع “ذيب” بالعودة مع أمه “سرحانة” إلى الأردن بقوله: “أمك وأخوتك أولى بك يا ذيب، بهما فجاهد” ص46، هذا الموقف يبين اهتمام وحرص القائد على الحياة السوية/ الطبيعية للفلسطينيين، لهذا رغم أن “ذيب” تدرب وكان يفترض أن يكون  أحد أفراد العملية، إلا أن حضور أمه والظرف الذي تمر به عائلته حال دون مشاركته واوجب تغليب المصلحة العائلية على الوطنية، وهذا يمثل درسا أخلاقيا، فالثورة ليس هدفها أكل أبناء الشعب الفلسطيني، بل إبقائهم أحياء يمارسون حياتهم كباقي البشر.

“أبو جهاد” لم يرهبه العدو، رغم معرفته بقدراته على النيل من كل من يؤذيه، يخاطب المجموعة الفدائية ـ في حالة أسرها ـ بقوله: “وإذا سألكم المحقق من أنتم ومن أرسلكم، لا تهنوا ولا تحزنوا ولا تترددوا وقولوا بكل ثقة وأنفة واعتزاز، أرسلنا أبو جهاد” ص118، هذا الموقف هو من دفع العدو لاغتياله لاحقا، فهو رجل عمليات، رجل فعل وعمل، وليس رجل تنظير من وراء المنصات، بل رجل يعيش بين داخل المعسكر وبين ألفدائيين، وما الحب وهالة القدسية إلا نتيجة حضوره الجسدي والمحبة التي تبثها روحه على المعسكر ومن هم فيه.

القائد يعرف كيف يعبئ جنوده بالمعنويات، ليس بالكلام فقد، بل من خلال تذكيرهم ـ عمليا/ واقعا ـ بحقيقة عدوهم الذي نشأ على القتل والسلب، المجموعة الفدائية تذهب إلى بيروت وتحديدا إلى: “شارع الفردان وفي نفس تلك البناية التي اغتيل فيها محمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر، لم يقف الأمر عند هذا الحد وحسب، إذ علمنا أيضا أننا في نفس الشقة التي استشهد فيها محمد يوسف النجار” ص127، رغم أن المجموعة ذهبت إلى بيروت للاستجمام وأخذ راحة/ استراحة قبل العملية، إلا أن القائد عرف كيف يجعل من تلك الراحة عزيمة وطاقة جديدة للمجموعة، تساعدها على الأقدام والتفافي والدقة في تنفيذ العملية.

المجموعة قبل العملية عرض عليها “أبو جهاد” مجموعة صور لمكان العملية ، الشارع، المباني، فندق سافوي، ورسم المداخل والمخارج، حتى أشبعهم، وجعلهم يتخيلوا أنفسهم يسيرون حقيقة في مكان العملية، بعد وصول المجموعة المكان، يتحدث “غضنفر” عن أثر تلك الصور بقوله: “وللحظات بدا لنا أننا نسير حسب ما كان أبو جهاد يرسم في الخطة تماما، لأول مرة انتبهنا لخطواتنا في ذلك الشارع، تملكنا رغبة في إشباع عيوننا من تفاصيل المكان، بدت علامات الاستغراب في وجوهنا تشي بسؤال واحد، كيف استطاع أبو جهاد أن يرانا هنا، وفي هذا المكان بالذات، وكيف  استشعر كل ذلك، هل هو الحدس والتوفيق، أم حسن الدراية والتخطيط” ص187، إذن نحن أمام رجل يحسن التخطيط والتنفيذ، ويحسن اختيار عناصره، ويحسن  تعليمهم والتأثير عليهم، حتى وهو بعيد عنهم يكون حاضرا ومؤثرا فيهم.

من وصاياه للمجموعة: “هم فاوضوا ربنا، انتبهوا جيدا، إياكم أن يأخذوكم على حين غرة” ص 195، من هنا عندما شعرت المجموعة أن الهدف من الخمس ساعات التي طلبها العدو لتنفيذ مطالب المجموعة استنفذت، أنهت الاتصالات معه، واستعدت للمواجهة.

الفدائيون السابقون “باجس أبو شنار، حمزة يونس”

يتوقف “غضنفر” عند مجموعة من الفدائيين السابقين، والغاية من ذلك: إعطاء صورة عنهم، ترسيخ فكرة العطاء والتضحية في المتلقي، الذكير بمن صعود إلى السماء، من هؤلاء الأوائل “باجس أبو شنار” الذي أرسل رسالة للملك حسين جاء فيها: “أدعوكم لتحريك قواتكم المسلحة على الفور، للثأر لشهداء السموع، والدفاع عن قرانا وخربنا” ص62، فرغم أن “باجس” رجل عادي إلا أنه علم حجم الخطر المحدق بشعبه، فقرر أرسال رسالته لأعلى سلطة في البلاد، الملك بذاته.

بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967، أخذ على عاتقه العمل الفدائي، فعاش في الجبال والوديان: “وشكل مجموعة ضاربة، شاء القدر  أو محاسن الصدف أو حسن التدبير، أن تكون بتعدادكم تماما من أربعة عشرة فدائيا، وعلى مدى سبع أعوام، نفذ ما يزيد عن المئة وخمسون عملية” ص65.

الرجل الثاني هو “حمزة يونس” الذي استطاع الفرار من سجون الاحتلال ثلاث مرات، وأخرها من سجن الرملة الذي يعد من أكثر السجون تحصينا، يعرفنا “محجوب عمر” على هذا الرجل بقوله: “بطل في السباحة والملاكمة واللياقة البدنية ومتعدد المواهب العقلية والرياضية” ص76، لهذا استطاع الوصول إلى البحر متجاوز كل الحواجز وفرق البحث التي نشرها العدو، ومن ثم السباحة “مسافة 16كيلومتر متواصلة حتى بلغ صيدا في لبنان” ص77.

العملية

خطط “أبو جهاد” لعملية “سافوي”  وحديد مهامها والغاية منها بقوله: “لا نريد قتلى بين الرهائن، نريد أخذ الرهائن سالمين واستثمارهم حتى اللحظة الأخيرة بغية نجاح هدف العملية، بمبادلة أسرانا بهم وتأمين عودتكم مع الأسرى بطائرة الأمم المتحدة إلى سورية سالمين” ص136، أما قائمة الأسرى المنوي الإفراج عنهم فهم: “المطران كبوتشي، وكوزو موتو، وفوزي النمر، وأروي اديب، وزكية شموط، ومحمود شموط، وعائشة عودة، ورسمية عودة، وتيرزا هلسة، وريما طنوس، وعايدة سعد وفاطمة البرناوي…وفاطمة الحلاوني” ص138، إذا ما توقفنا عند هذا الأسماء سنجدها تتبع لأكثر من دولة، اليابان، الأردن، سورية، وهذا يشير إلى حجم التأييد والمشاركة في الثورة الفلسطينية من الشعوب الأخرى، بمعنى أن الثورة لم تقتصر على الفلسطينيين، بل أصبحت ثورة (عالمية) يشارك فيه العديد من شعوب العالم.

الفدائي يعرف كيف يتصرف أثناء الاشتباك، فهو يعي أهمية الذخيرة بالنسبة له ولرفاقه، لهذا كان الاقتصاد في استخدامها ـ رغم صعوبة المعركة ـ يعد عنصر أساسي لنجاح العملية ولإلحاق أكبر ضرر بالعدو.

مطالب المجموعة الفدائية قدمتها “خديجة” تلك الفتاة التي رفضت الانصياع لطلب “خضر” فكانت بمثابة الرسول بين المجموعة وبين قوات الاحتلال، تتمثل ب: “نحن مجموعة مناضلون من أجل الحرية، لسنا قتلة، نحن حريصون على سلامة الرهائن، نريد مبادلة سريعة بحضور فرنسا والفاتيكان ومندوب الصليب الأحمر” ص195، لكن الاحتلال رفض التفاوض، وطالب المجموعة بتسليم نفسها رافعة أيديها فوق الرؤوس والرايات البيضاء، مما حدى بقائدها أنهاء المفاوضات والاستعداد للمعركة.

يصاب “نايف”، ويستشهد “خضر” قائد المجموعة التي تستمر في المقاومة وإسقاط المزيد من قتلى في صفوف العدو: “أمطرناهم بقذائف الأنيرجا والقنابل وزخات من الرصاص، سريعا ما تراجوا وتركوا جثثهم وراءهم، كانت جثثهم تملأ الساتر، أصبح الساتر محصنا أكثر… كانت الجثث تتساقط عبر الدرج كما يتساقط عصافير الدوري” ص210 و211، هذا المشهد يشير إلى شراسة المقاتل الفلسطيني، وعلى أنه قادر على إلحاق الهزيمة بعدوه، وإذا ما توقفنا عند مشاعر الفدائيين وهم يبكون/ يحزنون/ متأثرين بلقاء “ذيب وأمه سرحانة” نصل إلى الرجل الكامل، الرجل العاطفي المحب، والرجل المقاتل الباسل، وهاتين الصفتين هما ما يميز الفدائي.

حتى أثناء المعركة وقسوتها نجد الفدائي يبدع في وصف المعركة، فيصور تقدم العدو بقوله: “بدا وكأن أقدامهم لا تستطيع أن تمشي على الأرض أو أن الأرض تلفظهم، كانت القوات خجولة بتقدمها، كانت تأتيها الأوامر بالاقتحام، وهي لا تغادر مكانها” ص213، نلاحظ روعة الصورة التي تتناول تقدم العدو، فالسارد بها أراد التخفيف عن نفسه وعلى القارئ الذي يتابع سير المعركة، وهذا الموقف يشير إلى أن الفدائي ـ حتى وهو يقاتل ـ  يكون حريصا على مشاعر الآخرين وتفريحهم قدر المستطاع.

فنية تقديم الأحداث

أذا ما توقفنا عند أحداث الرواية سنجدها تتناول عملية عسكرية، بمعنى أن هناك دماء وقتلى وشهداء وجرحى ومصابين، خاصة إذا علمنا وحشية العدو الذي تحاربه، وهذا يصعب عرض الأحداث على القارئ، فكيف استطاع السارد تمرير رواية دامية بطريقة سلسة وسهلة؟

استخدم السارد مجموعة كبير من الأغاني في الرواية، فكانت تمد عناصر المجموعة بالطاقة اللازمة لتنفيذ العملية وإتمامها، وأيضا تعطي دفعة للقارئ لمواصلة ومتابعة الفدائيين وهم يعبرون إلى وطنهم.

فهناك ما يزيد على العشرة أغاني وقصيدة تلاها السارد ، وهذا أسهم في التخفيف من حدة القسوة الكامنة فيها.

كما أنه استخدم الصور الأدبية التي تمتع المتلقي، فنلاحظ أن الصورة تكثر عندما يتم الحديث عن الشهداء: “فالسماء دائما تنتظر من يهديها نجمتها الجديدة…فلا أحد قادر على منازلة الفلسطيني في مواصلة الصعود إلى السماء، فالسماء كلما احتاجت إلى نجم، استدعت من فلسطين شهيدا” ص11، اللافت في هذا المقطع بعده الديني، الديني الإسلامي الذي يرى الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، والديني السوري/ الفينيقي الذي يرى الحياة في السماء، في انبعاث البعل/ القمر في السماء، فالمقطع يحمل رمزية الانبعاث/ الحياة وما وجود القمر إلا تأكيدا على الانبعاث بعد الغياب.

حضرت “سرحانة” إلى المعسكر بثوبها المطرز، فتأثر به “غضنفر” واصفا إياه: “عروق ثوبها تشعرك بأنها ذاكرة للتاريخ إن تاه أو سرق، عروق ثوبها دليل حياة وخارطة للمكان والزمان يسترشد الحالمين” ص39، إذا ما توقفنا عند هذه الصورة العاطفية، سنجد أنه سبقها الحديث عن عائلة سرحانة التي فقدت العديد من الشهداء والمفقودين، لهذا ارتأى السارد التخفيف من حدة القسوة من خلال هذه الصورة والذهاب إلى فستانها ليخرجه لنا بهذا الصورة.

ومن المخففات الأخرى استخدام السارد للحكم التي جاءت كتعبير عن خلاصة تجربته كفدائي، من هذه الحكم: “سعيدة هي الأرض التي تلد الأساطير والشهداء… وحزينة تلك التي تحتاج إليهم” ص71، الكأس له نفس الزن تماما، ولكن كلما طالت مدة حملي له كلما زاد وزنه” ص75، “حدث نفسك عن الفرح وستملكه، حدث نفسك عن الموت وسيمتلكك” ص102، “أن السواعد المرتجفة لا تبني وطنا، وأن الأقدام الضعيفة لا يمكن أن تسير للتحرير” ص146، إذا ما توقفنا عند هذه الأقوال سنجدها بمجملها متعلقة بالعمل الفدائي، ورغم هذا إلا أننا نستطيع أخذها إلى واقع الحياة، فالشعوب/ الأمم التي تنتج الأدب/ الأساطير هي شعوب حية، والإصرار على حمل الهموم يقتل الفرد والجماعة.

الرواية من منشورات دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2022.