في ظل التحولات الكبرى التي أعقبت حرب أكتوبر، وما حملته من متغيرات سياسية وميدانية أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الصراع الإقليمي والدولي، بات انعقاد المؤتمر الحركي العام لحركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح – ضرورة وطنية وتنظيمية ملحّة لا تحتمل التأجيل.
فالحركة التي شكّلت منذ انطلاقتها العمود الفقري للنضال الوطني الفلسطيني، تقف اليوم أمام لحظة تاريخية فارقة تستوجب مراجعة شاملة، وتجديدًا عميقًا، واستعادةً لدورها القيادي في معركة التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
أولًا: دوافع انعقاد المؤتمر في هذه المرحلة
لم تكن حرب أكتوبر حدثًا عسكريًا عابرًا، بل شكّلت تحولًا استراتيجيًا كشف:
• فشل إدارة الصراع دون حل جذري للقضية الفلسطينية.
• حدود الرهانات على المسارات السياسية التقليدية.
• خطورة الانقسام الفلسطيني على المشروع الوطني.
• الحاجة الماسّة لقيادة وطنية موحدة تمتلك رؤية شاملة وأدوات فاعلة.
إن استمرار تعطيل المؤتمر يُضعف الحركة، ويُربك المشهد الوطني، ويُفقد فتح قدرتها على المبادرة والقيادة في مرحلة تتطلب الوضوح والحسم.
ثانيًا: طبيعة المؤتمر ومضامينه الأساسية
يجب أن يكون المؤتمر الحركي العام مؤتمرًا تأسيسيًا متجددًا لا شكليًا، يتناول بجرأة ومسؤولية:
1. مراجعة شاملة للتجربة
• تقييم موضوعي لمسار فتح السياسي والتنظيمي منذ آخر مؤتمر.
• الاعتراف بالأخطاء ومعالجة مظاهر الترهل والتفرد.
• إعادة تحديد العلاقة بين حركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية.
• تثبيت هوية فتح كحركة تحرر وطني قبل أي اعتبار إداري أو سلطوي.
2. تجديد البنية القيادية والتنظيمية
• اعتماد معايير الكفاءة والنزاهة والتاريخ النضالي.
• تمكين الشباب والمرأة والأسرى المحررين.
• تعزيز الديمقراطية الداخلية والاحتكام للنظام الأساسي.
• إنهاء الإقصاء والشللية واستعادة العمل الجماعي المؤسسي.
3. صياغة برنامج سياسي وطني واضح
• التمسك بالثوابت الوطنية غير القابلة للتصرف:
القدس عاصمة الدولة، حق العودة، إطلاق الأسرى، السيادة الكاملة.
• تحديد أدوات النضال في المرحلة القادمة ضمن رؤية وطنية شاملة:
النضال السياسي، المقاومة الشعبية، الفعل القانوني الدولي، والميدان.
• إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس تمثيلية وديمقراطية.
ثالثًا: دور فتح في مرحلة ما بعد حرب أكتوبر
تتحمل فتح مسؤولية قيادة المشهد الوطني، لا الاكتفاء بردود الفعل.
ودورها المطلوب يتمثل في:
• استعادة المبادرة السياسية والنضالية.
• توحيد الصف الوطني وإنهاء الانقسام باعتباره خطرًا وجوديًا.
• إعادة الاعتبار للمقاومة الشعبية الشاملة كخيار استراتيجي.
• حماية القرار الوطني المستقل ورفض الارتهان لأي ضغوط خارجية.
فتح مطالبة اليوم بأن تكون العقل الاستراتيجي للنضال الفلسطيني، الذي يوازن بين الثبات على الحقوق وحسن إدارة الصراع.
رابعًا: فتح والمستجدات الفلسطينية والعربية والدولية
على الساحة الفلسطينية:
• إعادة بناء الثقة مع الشارع الفلسطيني.
• تمثيل تطلعات الشباب والمرأة واللاجئين.
• صون الوحدة الوطنية كأساس لأي إنجاز سياسي.
على الساحة العربية:
• إعادة القضية الفلسطينية إلى موقعها المركزي.
• رفض تحويلها إلى ملف ثانوي أو ورقة تفاوض.
• بناء شراكات استراتيجية مع القوى العربية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني.
على الساحة الدولية:
• الانتقال من الدفاع إلى الهجوم القانوني والسياسي.
• تفعيل محكمة الجنايات الدولية ومحاسبة الاحتلال.
• استثمار التحولات في الرأي العام العالمي لصالح فلسطين.
خامسًا: دور فتح تجاه أسر الشهداء والأسرى
تُعد قضية أسر الشهداء والأسرى قلب المشروع الوطني الفلسطيني، وعلى فتح:
• ضمان حقوقهم المادية والمعنوية دون مساومة.
• رفض أي ضغوط سياسية أو مالية تمس كرامتهم.
• إشراك الأسرى المحررين في الحياة التنظيمية والسياسية.
• تثبيت قضيتهم كجزء لا يتجزأ من معركة التحرير.
سادسًا: فتح ومعركة التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية
لم تُنشأ فتح لتدير واقع الاحتلال، بل لتقوده نحو الزوال.
ويكمن دورها اليوم في:
• بلورة استراتيجية تحرر وطني طويلة الأمد.
• توحيد أدوات النضال تحت قيادة وطنية جامعة.
• الربط العضوي بين الفعل السياسي والميدان.
• التمسك بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
فتح أمام اختبار التاريخ
إن المؤتمر الحركي العام لحركة فتح هو محطة إنقاذ وطنية:
• إما أن تعود فتح طليعة للمشروع الوطني الفلسطيني،
• أو يُترك الفراغ لتيه سياسي يدفع الشعب الفلسطيني ثمنه.
اليوم، تحتاج فلسطين إلى فتح موحدة، متجددة، جريئة، ومخلصة لدماء الشهداء وتضحيات الأسرى…
فتح تعود إلى جذورها، وتستعيد دورها، وتقود معركة التحرير حتى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.






