السياسي – أبرز موقع “ذا إنترسبت” الأمريكي تزايد الضغط الدولي لمحاسبة دولة الاحتلال الإسرائيلي بسبب ما ارتكبته من جرائم خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، رغم محاولة حكومات حليفة لتل أبيب تطويق حملة عزلة دولة الاحتلال.
وأشار الموقع إلى أنه في سبتمبر/أيلول، بدا الاتحاد الأوروبي على وشك تعليق الاتفاقيات التجارية مع دولة الاحتلال بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان في غزة. وفي الولايات المتحدة، بدأ عدد قياسي من المشرعين الديمقراطيين في دعم الدعوات للحد من نقل الأسلحة إلى تل أبيب.
وفي ألمانيا، أصدرت حكومة المستشار فريدريش ميرز في أغسطس/آب قرارًا بحظر إرسال الأسلحة التي يمكن استخدامها في غزة، معربًا عن “قلقه البالغ” إزاء “المعاناة المستمرة للسكان المدنيين في قطاع غزة”.
لكن بحلول أوائل أكتوبر/تشرين الأول، ومع إقرار خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المكونة من 20 بندًا – والتي وصفها قادة العالم بأنها “وقف إطلاق نار” أو “خطة سلام”، رغم استمرار العدوان الإسرائيلي – بدا أن هذا القلق قد تلاشى. وحلّت محل الضغوط الدولية المتزايدة رغبة ملحّة لدى العديد من الحكومات والمشرعين والمؤسسات في العودة إلى الوضع الراهن.
-ما الذي تغيّر؟
بعد أسبوع واحد فقط من دخول خطة غزة حيز التنفيذ، قدم برلمانيون في الاتحاد الأوروبي مقترحات لفرض عقوبات على دولة الاحتلال بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان.
وبعد شهر، أعلنت الحكومة الألمانية – ثاني أكبر مورّد للأسلحة لإسرائيل – رفع الحظر عن تصدير السلاح، ثم وافق البرلمان الألماني لاحقًا على صفقة بقيمة 3.5 مليار دولار لتوسيع أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية.
في الوقت نفسه، سمحت مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لإسرائيل بمواصلة المشاركة، رغم تعهدات بالمقاطعة من إسبانيا وسلوفينيا وهولندا وأيرلندا وأيسلندا. كما أقرّ مجلس الأمن الدولي خطة ترامب، ووافق على المساعدة في تشكيل ما يُسمى “قوة الاستقرار الدولية”.
وفي الكونغرس الأمريكي، ورغم أن استطلاعات الرأي تظهر أن غالبية الأمريكيين لا يوافقون على العمل العسكري الإسرائيلي في غزة، فإن المشرعين الداعمين لقانون “منع قصف إسرائيل” يكافحون للبناء على الزخم الذي تحقق خلال الصيف، ولم يحصلوا إلا على راعيَين جديدَين منذ إعلان ترامب “تحقيق السلام”.
-لماذا تراجع الضغط؟
قال طارق كيني شوا، الباحث في السياسات في شبكة “الشبكة”، إن وجود وقف إطلاق نار رسمي “شلّ إلى حد كبير حركة الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان، والأهم من ذلك، الرأي العام”.
وأضاف أن شعار “وقف إطلاق النار الآن” كان محركًا رئيسيًا للضغط الشعبي، ومع الاتفاق خفّ هذا الزخم.
ورغم تراجع القصف وإطلاق النار، لم يتوقف العدوان الإسرائيلي كليًا. فمنذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، شنّ الجيش الإسرائيلي أكثر من 350 غارة على غزة، أسفرت عن استشهاد 394 شخصًا على الأقل وإصابة أكثر من ألف، وفق وزارة الصحة في غزة والأمم المتحدة.
ولا تزال دولة الاحتلال تحتل 58% من قطاع غزة، مع رسم “خط أصفر” غير واضح، يدمّر الجيش داخله البنية التحتية المدنية ويطلق النار على الفلسطينيين، بمن فيهم طفلان قُتلا بطائرة مسيّرة أثناء جمع الحطب. كما واصل الجيش تنفيذ اغتيالات خارج هذا الخط، من بينها اغتيال القيادي في كتائب القسام رائد سعد في 13 ديسمبر/كانون الأول.
-الضفة الغربية: تصعيد متزامن
بالتوازي مع ذلك، شنت دولة الاحتلال عملية عسكرية جديدة في الضفة الغربية، داهمت خلالها مخيمات اللاجئين واعتقلت أعدادًا كبيرة من المدنيين، وقتلت فلسطينيين عُزّل، بينهم ما لا يقل عن 14 طفلًا، وفق منظمة الدفاع عن الأطفال الدولية – فلسطين.
ورغم السماح بدخول كميات محدودة من المساعدات إلى غزة، لا تزال سلطات الاحتلال تمنع معظم منظمات الإغاثة من إيصال الإمدادات، وتحتجز مساعدات بقيمة 50 مليون دولار على الحدود.
وأعلن مرصد الأمن الغذائي العالمي أن غزة لم تعد تعاني من مجاعة رسمية، لكنه حذّر من أن نصف مليون شخص ما زالوا يعانون من سوء تغذية حاد.
وقد فاقمت العواصف الشتوية الأزمة، حيث غمرت مخيمات النازحين بالمياه، وأدت إلى وفاة 13 شخصًا على الأقل، بينهم رضيع يبلغ من العمر شهرًا واحدًا.
-استعادة الرواية الإسرائيلية
مع تراجع الغضب العالمي، حاولت دولة الاحتلال وأنصارها استعادة السيطرة على الرواية. ففي مؤتمر الاتحادات اليهودية لأمريكا الشمالية، ألقت سارة هورويتز باللوم على تطبيق تيك توك في خسارة (إسرائيل) معركة الرأي العام بين الشباب.
ولاحقًا، تبنّت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون خطابًا مشابهًا، ووصفت مشاهد العدوان في غزة بأنها “دعاية”.
وقد ترافقت هذه السرديات مع حملات قمع واسعة لحرية التعبير المؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة وأوروبا. ففي أستراليا، استُخدمت حادثة إطلاق نار في شاطئ بوندي لربط الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل بالعنف.
وفي بريطانيا، جُرّم هتاف “عولمة الانتفاضة”. كما فرضت إدارة ترامب حظرًا على سفر حاملي جوازات سفر السلطة الفلسطينية.
-تحولات دائمة؟
يرى كيني شوا أن هذه الجهود لن تنجح على المدى الطويل، مؤكدًا أن الرأي العام تغيّر جذريًا. وتشير استطلاعات متزايدة إلى رفض أمريكي متصاعد للعلاقة الخاصة مع إسرائيل، ما قد يؤثر في الانتخابات المقبلة.
ورغم غموض مستقبل خطة ترامب، واستمرار الرفض الإسرائيلي لإقامة دولة فلسطينية، تتواصل محاولات المساءلة، من تعطيل سلاسل توريد السلاح إلى شكاوى قانونية دولية، وصولًا إلى تحركات داخل الكونغرس الأمريكي تعترف بالإبادة الجماعية في غزة.








