السياسي – كشف تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية، أن حالة الجدل التي خلفها قرار وزارة العدل الأمريكية بنشر وثائق التحقيق في قضية جيفري إبستين، تجاوزت صدمة الرأي العام إلى الشخصيات الكبيرة التي نشرت صورا لها مع المتحرش المنتحر، مؤكدا أن هناك إشارات كثيرة إلى الرئيس الحالي دونالد ترامب، دون معلومات حاسمة.
ووفق التقرير، كشف تحليل إجراه الخبراء، عن تكرر اسم الرئيس الحالي للولايات المتحدة، عدة مرات، وهو أمرٌ لم يكن مفاجئاً في حد ذاته، نظراً للصداقة السابقة التي جمعت الرجلين.
وبحسب المعلومات المتاحة، لم يكن ترامب، وهو جمهوري، هدفاً لأي تحقيق فيدرالي أو محلي يتعلق بجيفري إبستين. وقد نفى دائماً أي علم له بالأنشطة الإجرامية للممول، الذي يُقال إنه قطع علاقته به في منتصف العقد الأول من الألفية الثانية.
وأكدت الصحيفة، أن وزارة العدل الأمريكية وجدت نفسها مرغمة على نشر الوثائق، بعد أن صوت الكونغرس بأغلبية على نشرها، وألزم الوزارة بالإفراج الكامل عن جميع الوثائق التي تحتفظ بها، لكن ورود اسم ترامب وضعها في حرج شديد.
وفي خطوة غير مسبوقة، أصدرت وزارة العدل، يوم الثلاثاء، بيانًا تدافع فيه عن الرئيس، مؤكدةً بذلك خضوع هذا الفرع من الحكومة، تحت قيادة بام بوندي، لدونالد ترامب.
وقال بيان الوزارة: “تحتوي بعض هذه الوثائق على ادعاءات كاذبة ومثيرة للجدل ضد الرئيس ترامب، قُدّمت إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي قبيل انتخابات عام 2020. وللتوضيح: هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة، ولو كانت ذات مصداقية، لكانت استُخدمت ضد الرئيس ترامب بالفعل”.
وسبق لترامب أنه كتب في يناير 2024، على منصته “تروث سوشيال”، أنه “لم يركب طائرة إبستين قط، ولم يزر جزيرته ‘الغبية'”.
وفي رسالة بريد إلكتروني مؤرخة في يناير 2020، ذكر مساعد المدعي العام في المنطقة الجنوبية لنيويورك أن الملياردير – الذي كان آنذاك رئيسًا للولايات المتحدة – سافر على متن هذه الطائرة الخاصة “ثماني مرات على الأقل” بين عامي 1993 و1996، بما في ذلك أربع مرات مع غيسلين ماكسويل، شريكة جيفري، التي كانت مسؤولة عن تجنيد الضحايا، وغالبًا ما كانوا قاصرين.
وهي تقضي حاليًا عقوبة بالسجن لمدة عشرين عامًا. وفي رحلتين من هذه الرحلات، كانت من بين الركاب امرأتان “يمكن أن تكونا شاهدتين” في محاكمة ماكسويل، وفقًا لمساعد المدعي العام.
ومع كل هذا النفي، ظهر ترامب في صورة مع غيسلين ماكسويل، شريكة جيفري إبستين، في عرض أزياء بنيويورك في 18 سبتمبر/أيلول 2000، ونشرتها وزارة العدل الأمريكية في 23 ديسمبر/كانون الأول 2025، قبل أن تحذفها.
ويؤكد التقرير الفرنسي، أن هناك صورة أخرى خضعت للرقابة، نشرتها وزارة العدل الأمريكية، تُظهر جيفري إبستين على متن طائرة خاصة مع شخص يجلس في حضنه. وقد صودرت الصورة في 12 أغسطس/آب 2019، خلال تفتيش منزل الممول في جزيرة ليتل سانت جيمس بجزر العذراء الأمريكية.
وقالت “لوموند”، إنه بدلًا من الشفافية التي يطالب بها الضحايا، يُؤدي النشر غير الكامل للوثائق إلى استمرار حالة الارتباك. فمعظمها مُنقّح بشكل مُفرط، وبحماسٍ مُريب، يتجاوز بكثير حماية الضحايا التي تدّعي وزارة العدل توفيرها.
وزرعت أساليب المماطلة التي اتبعتها الإدارة على مدى الأشهر الإحدى عشرة الماضية في هذه القضية – التي وصفها دونالد ترامب بأنها “خدعة ديمقراطية” – شكوكًا واسعة النطاق. فمنذ يوم الجمعة 19 ديسمبر، نُشرت بعض المجلدات على الإنترنت، ثم حُذفت، ثم أُعيد نشرها لاحقا.
وبدأت وسائل الإعلام الأمريكية بشغف في البحث في هذا الكم الهائل من الوثائق. كما أنها باتت مادة للنقاش على وسائل التواصل الاجتماعي أمريكيا وعالميا، وهذا هو الفرق الجوهري بين تحقيقٍ جاد ومحاكمة جنائية، مُؤطّرة بإجراءات قانونية، وخاضعة لتدقيقٍ مُتبادل، يُصفّي الأدلة، وفقا لتقرير “لوموند”.
الصحيفة، توقفت أيضا، عند بعض الأدلة التي قالت إنها تثير شكوكًا قديمة، ومنها أن المحققين كانوا يملكون معلومات جوهرية عن الأمير أندرو، الذي أصبح اسمه أندرو ماونتباتن-ويندسور في سجله المدني بعد تجريده من ألقابه، وفي أبريل/نيسان 2020، قُدِّم طلبٌ لعقد جلسة استماع إلى السلطات البريطانية، جاء فيه وجود “أدلة على تورط الأمير أندرو في سلوك جنسي مع إحدى ضحايا إبستين”.
وفي أغسطس/آب 2001، كتب الأمير، مستخدمًا اسمًا مستعارًا، إلى جيسلين ماكسويل: “كيف حالك في لوس أنجلوس؟ هل وجدتِ لي بعض الأصدقاء غير المناسبين؟”.
وبحسب التقرير، كان لافتا أنه لم يُوجه أي اتهام لأي متواطئ، باستثناء شريكة جيفري إبستين، في التحقيق الفيدرالي، مؤكدا أن هذا الغموض وحده كفيل بتغذية نظريات المؤامرة، لا سيما داخل حركة “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا” (MAGA)، حول دائرة من الأفراد النافذين الذين يعتدون على القاصرين دون عقاب.
قد تتجذر نظريات المؤامرة أحيانًا في حقائق، وإن كانت ناقصة. على سبيل المثال، تكشف مواد الأرشيف أن ماريا فارمر، التي عملت لدى جيفري إبستين لسنوات عديدة، أبلغت مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في وقت مبكر من عام 1996 عن ميوله الإباحية للأطفال.
وسرق صورًا عارية لشقيقتيها، اللتين كانتا تبلغان من العمر 12 و16 عامًا، وهددها إذا أبلغت عن ذلك. كان هذا قبل ما يقرب من عشر سنوات من التحقيق الذي أُجري في فلوريدا ضد الممول، والذي انتهى بإقرار مثير للجدل بالذنب، قبل أكثر من عشرين عامًا من توجيه الاتهام الفيدرالي إليه، مضيعة للوقت لا تُطاق بالنسبة لنحو ألف ضحية من ضحايا هذا المعتدي، بحسب “لوموند”.
ويخلص التقرير إلى أن الرأي العام الأمريكي، أصبح أمام قضية لا نهاية لها، مليئة بالتقلبات والمنعطفات، لكنها تضم ضحايا حقيقيين مجروحين، ولم تزد هذه المنشورات الفوضوية من معاناتهم إلا قليلاً، لكن الشخص الوحيد الذي يملك مفاتيح الماضي هو “جيسلين ماكسويل”، التي استجوبها تود بلانش، محامي دونالد ترامب السابق ونائب المدعي العام، في يوليو/تموز، في جلسة استماع مطولة وغير تقليدية، يبدو أن الهدف منها بالدرجة الأولى الدفع نحو تبرئة الرئيس ترامب لا أكثر.






