الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال: مدخل لإعادة رسم خرائط النفوذ

بروفيسور عوض سليمية

باحث في العلاقات الدولية

أرض الصومال او “صوماليا لاند” كانت مستعمرة بريطانية سابقة وحصلت على استقلالها عام 1960 واندمجت مع الصومال الذي تخلص لتوه من الاحتلال الايطالي، يقع الاقليم المنفصل شمال غرب الصومال، على شاطئ خليج عدن عند أقرب نقطة لباب المندب؛ على ساحل الممر المائي الضيق الذي يفصل البحر الاحمر عن بحر العرب؛ حيث ممرات التجارة وسلاسل التوريد العالمية. اصبحت ارض الصومال اقليماً مستقلاً مُعلناً من جانب واحد عن باقي اراضي جمهورية الصومال عقب الاطاحة بالرئيس الصومالي محمد سياد بري في مايو/ ايار من العام 1991، بإعتبارها ملاذًا آمنًا بعيدًا عن الحرب الاهلية وحالة عدم الاستقرار التي عصفت بالصومال على مدار عدة عقود. ويتمتع الاقليم بنظام سياسي، ودستور تم التصويت عليه عام 1997، ومؤسسات حكومية ولديه قوات شرطة وعملته الخاصة.

منذ اعلان انفصاله سعت قيادة أرض الصومال جاهدةً للحصول على اعترافات المجتمع الدولي بإعتباره دولة مستقلة، وعلى الرغم من مرور قرابة 35 عاماً على استقلالها الا انها لم تحصل على اعتراف اية دولة. حتى تاريخ 26 ديسمبر من هذا العام 2025؛ حين اعلنت اسرائيل رسمياً اعترافها بهذا الاقليم كدولة مستقلة وذات سيادة، شكل هذا الاعتراف خطوة عير مسبوقة في تاريخ الإقليم.

في اول تبرير له على هذا الاعتراف، أرسل نتنياهو رسالته للبيت الابيض الذي سيزوره يوم 29 من الشهر الجاري، مفاده “ان هذا الاعتراف يتماشى مع روح اتفاقيات أبراهام” التي تم توقيعها بمبادرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وفقاً لموقع “ستريت تايم”. في السياق، تفاخر وزير خارجية اسرائيل ساعر بهذا الاعتراف على حسابه على منصة X قائلاً ” لقد سررتُ بالتحدث الآن مع رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن محمد عبد الله، في هذا اليوم المهم لكلا البلدين”. واضاف “على مدار العام الماضي، وبناءً على حوار موسع ومستمر، تبلورت العلاقات بين إسرائيل وأرض الصومال… “وقّعنا اليوم اتفاقية اعتراف متبادل وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة، تشمل تعيين سفراء وافتتاح سفارات. وسنعمل معًا على تعزيز العلاقات بين بلدينا وشعبينا، وتحقيق الاستقرار الإقليمي والازدهار الاقتصادي”.

من الناحية المنطقية، لا تحتاج اسرائيل للاعتراف بإقليم منفصل من جانب واحد، خاصة في ظل عدم اعتراف أي من دول العالم بهذا الاقليم، تحت ذرائع الدفع بما تسميه اتفاقيات ابراهيم قدماً “التطبيع”. ولو كان الامر كذلك؛ فمن الافضل لنتنياهو ان يعترف بالدولة الفلسطينية التي تعترف بها قرابة 159 دولة عبر العالم؛ وبالتالي يحصل تلقائياً على اعتراف كامل بإسرائيل من قبل معظم الدول العربية والاسلامية وفي مقدمتها العربية السعودية. لكن كلمة السر في هذا الاعتراف هي؛ الموقع الجغرافي الاستراتيجي لهذا الاقليم؛ والسعي الاسرائيلي المتواصل للتوسع وفرض الهيمنة في النطاق الجيوسياسي الاوسع من عدسة المصالح الاسرائيلية الهادفة لتغيير شكل الشرق الاوسط وبضوء امريكي كامل.

“مكافحة الارهاب” وتعزيز السلام والامن العالميين هو عنوان المرحلة التي حددها رئيس ارض الصومال في رسالة الشكر التي بعثها لنتنياهو رداً على هذا الاعتراف “أشكر رئيس الوزراء نتنياهو بصدق على هذا الاعتراف التاريخي. تقدر ارض الصومال التزام إسرائيل بالسلام والأمن العالميين”، ويضيف الرئيس عبد الله. “كما نثني على إنجازات إسرائيل في مكافحة الإرهاب، ونتطلع إلى تعميق تعاوننا”. بعبارة اخرى، يعلن العضو الجديد في منظومة التطبيع وتحت غطاء الاعتراف المتبادل، ترحيبه بوجود عسكري واستخباراتي اسرائيلي كامل في بلاده؛ تحت مبررات مكافحة الارهاب وتعزيز السلام؛ وهو ما تبحث عنه اسرائيل بالضبط في تلك المنطقة؛ لفرض ترتيباتها الامنية ونفوذها الاخذ بالتمدد من فلسطين الى سوريا مروراً باليونان وقبرص وصولاً للقرن الافريقي.

ان يتبادل البلدان التهاني بهذا الاعتراف هو امر مألوف، لكن ما هو غير مألوف في دبلوماسية الاعترافات، ان يوجه نتنياهو على موقعه الرسمي التهاني للموساد ورئيسه ديفيد بارنياع، “اشكر رئيس الموساد ديفيد بارنياع والموساد، على مساهمتهم في التطورات التي حدثت اليوم”. ما كشف عنه تقرير القناة الثانية عشرة الاسرائيلية بوضح سبب هذا الامتنان، بأن “رئيس أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله قام بزيارة سرية إلى إسرائيل قبل نحو شهرين، في أكتوبر، حيث التقى نتنياهو، ورئيس الموساد ديفيد بارنياع، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس”. وفقًا للتقرير الذي نشره موقع The Times of Israel، نشأت العلاقات في البداية على خلفية المناقشات حول إعادة توطين/(تهجير) الفلسطينيين من قطاع غزة إلى اقليم ارض الصومال، وهي قضية ظهرت علنًا في اب/ أغسطس. ومع ذلك، توسعت العلاقة لاحقًا إلى ما هو أبعد من ذلك الموضوع، وتطورت إلى ما يعتبره المسؤولون الإسرائيليون تعاونًا استراتيجيًا. وفقا لتقرير نشره موقع Ynet، ان اعتراف إسرائيل بـجمهورية ارض الصومال كدولة مستقلة؛ لم يكن قرارًا عابرًا أو فجائيًا؛ بل جاء نتيجة سنوات من العمل السري والممنهج للموساد، لبناء علاقات متينة مع قيادات ارض الصومال قبل الإعلان الرسمي.

ما قامت به إسرائيل يُعدّ تجاوزاً خطيراً يمسّ السيادة والأمن الإقليمي للدول العربية والإفريقية، ويُشكّل تحدياً صريحاً لوحدة وسلامة أراضي الصومال؛ وربما يتكرر هذا المشهد في دول عربية اخرى قريباً. هذا التحرك الإسرائيلي يؤكد المساعي الجادة التي تبذلها حكومة اليمين المتطرف في اسرائيل نحو توسيع نفوذها في مناطق استراتيجية حساسة، وترسل رسالة لدول الاقليم انها لن تقبل ان تكون بحجم القلم على المكتب البيضاوي. هذا الوضع الناشئ يتطلب استجابة حازمة ومنسقة من الدول العربية والافريقية؛ بعيداً عن استراتيجية بيانات الشجب والاستنكار العقيمة. وبغير ذلك، فإن منطقة الشرق الاوسط والقرن الافريقي مقبلة على تغييرات جذرية ستعيد تشكيل الخارطة السياسية والجغرافية للدول، من خلال تشجيع اسرائيل لمزيد من الحركات والطوائف والاقاليم نحو الانفصال عن الوطن الام.