في اللقاء الذي سيُعقد في المقرّ الخاص للرئيس، ستُطرح سلسلة من القضايا الحسّاسة، في مقدّمتها الطموح الأميركي للإعلان قريبًا عن قوة الاستقرار الدولية في غزة في إطار الانتقال إلى المرحلة الثانية. إلى القمّة سيُرافق أيضًا أقارب الجندي الأسير القتيل ران غويلي، في محاولة للتأثير على ترامب. إيران وسوريا كذلك على جدول الأعمال، في وقت يتصاعد فيه الإحباط في محيط الرئيس من رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وحسب موقع واي نت الاسرائيلي فانه من المتوقع أن يُقلع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليوم (الأحد) في زيارة سياسية مهمّة إلى الولايات المتحدة، يلتقي خلالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مقرّه الخاص «مار-آ-لاغو» في ولاية فلوريدا، في محاولة للتوصل إلى تفاهمات حول سلسلة من القضايا المصيرية. وتشير التقديرات إلى أن اللقاء بين الرجلين سيُعقد يوم الاثنين عند الساعة 22:30 بتوقيت إسرائيل. وقبل ذلك، سيلتقي نتنياهو بوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.
جدول أعمال رئيس الوزراء يشمل يوم الاثنين لقاءيه مع الرئيس ترامب ووزير الخارجية روبيو. وحتى الآن، لم تُفصّل الترتيبات الخاصة بيوم الثلاثاء، ومن المحتمل أن يُستغل هذا اليوم للقاء مع نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس. يوم الأربعاء من المتوقع أن يلتقي نتنياهو مع شخصيات من التيار الإنجيلي، ولاحقًا سيشارك مع زوجته في فعالية داخل كنيس في مدينة ميامي. نتنياهو سيعود إلى إسرائيل يوم الخميس، على أن يصل البلاد يوم الجمعة.
قائمة القضايا السياسية والأمنية المتصلة بإسرائيل، بما فيها ملفات تتطلب قرارات حاسمة، ستُوزّع بين اللقاء مع ترامب واللقاء مع روبيو. اللقاء مع ترامب مهم، لكنه ليس مصيريًا. ولم يتضح بعد ما إذا كان سيُعقد لقاء إضافي بين الزعيمين خلال الأسبوع نفسه. القرار بذلك سيعتمد على نتائج اللقاء الأول، مع تقدير بوجود احتمال مرتفع لعقد لقاء ثانٍ. في هذه المرحلة لم تُحدَّد لقاءات أو اتصالات بين نتنياهو ونائب الرئيس فانس أو وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث.
نتنياهو سيتوجّه إلى فلوريدا على متن طائرة «جناح صهيون». وكما في زيارات سابقة، من المتوقع أن تسلك الطائرة مسارًا طويلًا بشكل خاص لتجنّب دول قد تلتزم بتنفيذ مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحقه في حال هبوط اضطراري، ومن بينها بريطانيا، فرنسا والبرتغال. وبسبب هذا المسار الطويل، لن تسمح رئاسة الحكومة للصحفيين بمرافقة الرحلة، كما أن بعض أفراد الوفد سيصلون إلى الولايات المتحدة عبر رحلات تجارية.
تعزيز الشراكة
العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة
رئيس الوزراء سيناقش مع محاوريه سبل تعزيز الشراكة بين البلدين في مجالات التفوق الاستراتيجي، مع تركيز خاص على الذكاء الاصطناعي، والكمّ (Quantum)، والأمن السيبراني، وهي مجالات تُعدّ إسرائيل فيها دولة رائدة ومتقدمة جدًا.
غزة
سؤالان مركزيان على الطاولة: ما هو تصور الرئيس ترامب لنزع سلاح غزة وتفكيك حماس؟ من وجهة النظر الإسرائيلية، تشكّل هذه القضايا نقطة الانطلاق لأي تقدم في ملفات إعادة الإعمار، إقامة حكم في غزة، وتفرعات ذلك. نتنياهو يريد سماع رؤية ترامب، وكيف ستعمل قوة الاستقرار الدولية (ISF) التي يسعى الرئيس الأميركي إلى إنشائها في القطاع لتحقيق هذه الأهداف.
في محيط نتنياهو يؤكدون أن كل ذلك وارد في «خطة النقاط العشرين» لترامب، التي وافقت عليها إسرائيل، والآن المطلوب هو ترجمتها عمليًا. من هنا ينتقل النقاش إلى المستوى الأدنى، التكتيكي: من هي الدول التي ستشارك في الآلية الدولية. وفي جلسة المجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسية والأمنية، أُبلغ أن الولايات المتحدة حصلت على موافقة ثلاث دول لإرسال قوات إلى غزة.
رئيس الوزراء سيوضح لمضيفه أن دولًا مثل تركيا وباكستان لا يمكن أن تكون جزءًا من قوة الاستقرار من وجهة نظر إسرائيل. في القدس يرحّبون بمشاركة دول أخرى مثل إندونيسيا، أذربيجان وإيطاليا. الزعيمان سيناقشان بتفصيل كيفية الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف الحرب في غزة، مع التركيز على إخراج حماس وتركيا وباكستان من المشهد.
ترامب من جانبه سيعرض على نتنياهو خطة إعادة الإعمار الخاصة به، «مشروع الشروق»، التي ستبدأ من رفح. إسرائيل تشترط الانتقال إلى المرحلة الثانية بإعادة جثمان الجندي الأسير الرقيب أول ران غويلي. نتنياهو سيُشرك في القمّة والدة وشقيق مقاتل وحدة اليسام، لعرض قضيتهما أمام ترامب، الذي قال في الآونة الأخيرة، مرتين على الأقل، إن «جميع الأسرى أُعيدوا». في إسرائيل يأملون أن تؤتي الجهود المركّزة التي جرى الاتفاق عليها في لقاء الفريق الإسرائيلي مع الوسطاء في القاهرة ثمارها خلال الأيام القريبة.
وفق التقديرات، بعد لقائه مع نتنياهو وخلال شهر يناير، سيعلن ترامب الانتقال إلى المرحلة الثانية وإقامة قوة الاستقرار. الجنود الذين سينضمون إلى القوة لن يصلوا فورًا إلى المنطقة، إذ ستستغرق الاستعدادات اللوجستية أسابيع إضافية. من المرجّح أن تبدأ القوة عملها في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، لا في مناطق سيطرة حماس.
إسرائيل ستسعى للتأكد من أن الخطة تضمن تفكيكًا حقيقيًا لسلاح حماس، لا عروضًا شكلية أو مناورات، وكذلك الأمر بالنسبة لنزع سلاح القطاع. كما ستُطرح مسألة إشراك هيئة تكنوقراطية فلسطينية في إدارة القطاع – من سيكون جزءًا منها ومن لا – مع حرص إسرائيل على ضمان قطيعة كاملة مع حماس من جهة، وأدنى حد ممكن من الارتباط بالسلطة الفلسطينية من جهة أخرى. إسرائيل تفضّل أن تضم الهيئة شخصيات مهنية معتدلة، على غرار رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق سلام فياض.
مسؤول إسرائيلي رفيع قال بعد جلسة الكابنيت يوم الخميس:
«الخطة الأساسية لترامب ونتنياهو كانت توسيع اتفاقيات أبراهام بعد وقف الحرب وإعادة الأسرى. هنا اصطدمنا بتحدٍّ أكبر الآن. ما سيكون في مركز الاهتمام: المرحلة الثانية، وماذا عن القوة متعددة الجنسيات. تركيا لن تكون. لن يُفرض علينا طرف لا نريده، ونحن لا نريد تركيا».
وأضاف:
«حتى لو عاد ران غويلي، فإن الانتقال إلى المرحلة الثانية يستغرق وقتًا لأن القوة ليست جاهزة بالكامل. الأمر ليس وصول قوة غدًا. الأميركيون يريدون أن يكون كل شيء منظمًا قبل دخول القوة. في إسرائيل هناك شكوك كبيرة حول قدرة القوة الدولية على نزع سلاح حماس، لكن لا بد من إعطائها الفرصة. وبالنسبة لحماس، تشير التقديرات إلى أنها لا تزال تقاتل، وتتسلّح، وتتعاظم – لكنها لم تعد إلى قوتها السابقة».
سوريا
نتنياهو سينقل إلى ترامب وروبيو رسالة واضحة جدًا: جيش الرئيس السوري أحمد الشرع، كما ظهر في ذكرى سقوط نظام الأسد، يردد هتافات «إلى القدس» و«غزة نحن قادمون». وجود جنود يحملون شارات داعش هو وضع لا تستطيع إسرائيل الوثوق به، ولا الاعتماد على الشرع كشريك مستقر. نتنياهو سيؤكد أن إسرائيل تريد التقدم أولًا نحو بناء الثقة، بما يشمل جعل جنوب سوريا منطقة منزوعة السلاح لا تشكل تهديدًا لإسرائيل، حماية الدروز لمنع مجازر إضافية، ومنع تحول دمشق إلى مخزن لأنظمة سلاح متطورة.
في ما يتعلق بالدور الروسي في سوريا، قال مسؤول رفيع إن هذا الاحتمال قد يشكل ضربة لتركيا. ومع ذلك، يبدو أن الرئيس السوري يواجه مشكلات داخلية جسيمة. وعن إمكانية التوصل إلى ترتيب أمني مع سوريا، قال المسؤول: «اعتقدنا أن ذلك قد يحدث بسرعة أكبر، لكنهم يعيشون حالة عدم استقرار».
إيران
نتنياهو سينقل رسالتين في الملف الإيراني: ضرورة منع التصعيد، وفرض ضغط اقتصادي شديد على الجمهورية الإسلامية. وسيحاول التوصل إلى تفاهم مع الأميركيين حول شكل الاتفاق الجيد بين الولايات المتحدة والقوى الكبرى وطهران. أي اتفاق يجب أن يتضمن صفر تخصيب يورانيوم، صفر أجهزة طرد مركزي، ورقابة اختراقية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لا يجوز الانحراف عن هذا الخط.
كما ستُطرح مسألة الصواريخ الباليستية الإيرانية، حيث ستعرض إسرائيل معلومات عن تقدم مقلق في هذا البرنامج. لكن يجب عدم الخلط بين التهديدين: من وجهة نظر إسرائيل، السلاح النووي تهديد وجودي، بينما الصواريخ تهديد سبق لإسرائيل أن تعاملت معه.
لبنان
ملف لبنان وحزب الله يُعد ثانويًا نسبيًا في القمّة، لأن إسرائيل والولايات المتحدة تنظران إلى الوضع على الحدود الشمالية بشكل متقارب. ووفق مسؤول رفيع: «نعتقد أن الجيش اللبناني يعمل ببطء شديد وبصورة غير مكتملة، ونتوقع استمرار نزع السلاح. إذا لم يكن هناك خيار آخر – وليس غدًا أو بعد غد – سنضطر إلى توجيه ضربة إضافية لحزب الله».
في إسرائيل يشددون على أن الفجوة بين القدس وواشنطن في الساحة اللبنانية تكاد تكون معدومة. وقال المسؤول: «الحكومة اللبنانية تريد بشدة تفكيك حزب الله، لكنها تواجه صعوبات كبيرة. التوجه في إسرائيل هو الاستمرار في الاحتفاظ بالمناطق وتنفيذ عمليات. نحن نقيّم الوضع باستمرار ومستعدون للتحرك إذا شعرنا أن كل الخيارات استُنفدت».
تركيا
الرئيس ترامب يقدّر كلًا من رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. من وجهة نظر إسرائيل، تركيا خصم وليست عدوًا. التحدي المشترك لإسرائيل مع ترامب هو تحديد قواعد اللعبة، وتحديد أين تنتهي الخصومة دون الانزلاق إلى عداوة. وضع كهذا لن يكون جيدًا لا لإسرائيل ولا لتركيا.
مع ذلك، من المهم التأكيد على أن تركيا لن تكون محور الحوار، وليست في صلب النقاش. مسألة تزويد تركيا بطائرات F-35 طُرحت في المحادثات بين إسرائيل والأميركيين. حتى الآن لم يُسجَّل تقدم في الاتصالات بين الإدارة الأميركية وأنقرة. هناك إشكالية قانونية أميركية معقّدة تمنع تزويد تركيا بالطائرة المتقدمة طالما أنها تستخدم أنظمة سلاح روسية.
السعودية
ليس واضحًا ما إذا كانت مسألة التطبيع مع السعودية ستُطرح في قمّة فلوريدا. يبدو أن السعوديين محبطون من الحكومة الإسرائيلية الحالية، ويفضّلون الانتظار إلى ما بعد انتخابات الكنيست. ومع ذلك، لا يُستبعد أن يفاجئ ترامب ويثير الموضوع في لقائه مع نتنياهو.
نتنياهو يصل إلى مار-آ-لاغو في وقت يتزايد فيه الإحباط في محيط ترامب من إسرائيل ومن رئيس وزرائها، انطلاقًا من شعور بأنهم يعرقلون خطط الرئيس الأميركي في المنطقة. ومع ذلك، في إسرائيل يعتقدون أنه عندما يستمع ترامب إلى نتنياهو ويرى المعلومات الاستخباراتية التي سيعرضها، سيقتنع.
وبحسب مسؤول رفيع: «تجربة الماضي تُظهر أن ترامب متعاطف مع إسرائيل، ولن يتخذ بأي حال قرارات تعرّضها للخطر. إضافة إلى ذلك، لا يوجد تكتل واحد من المستشارين جميعهم ضد إسرائيل. بعضهم أقرب إلى مواقفنا. لكن الكيمياء بين نتنياهو وترامب كانت دائمًا تمنح رئيس الوزراء قدرة على التأثير. هذه المرة، الأمر ببساطة سيكون أصعب». حلم المستوطنين في الضفة الغربية بخصوص الضمّ لن يُطرح بالتأكيد في اللقاء.
نتنياهو يصل إلى الولايات المتحدة أيضًا في وقت بات فيه ترامب قريبًا من التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار بين روسيا وأوكرانيا. قبل لقائه مع نتنياهو، سيلتقي ترامب بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ترامب قد يشعر بأنه «على موجة نجاح»، ويحاول اختبار إمكانية تحقيق تقدم أيضًا في الشرق الأوسط. ولا يزال غير واضح ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى زيادة الضغوط على إسرائيل أم العكس.






