حرب بلا اقتصاد … قراءة في انهيار المؤشرات الاقتصادية بقطاع غزة خلال عام 2025

د. ماهر تيسير الطباع

خبير وحلل إقتصادي

يُظهر “حصاد” اقتصاد قطاع غزة لعامي 2025 مشهداً قاتماً للغاية، حيث تصف التقارير الدولية والمحلية (مثل البنك الدولي، الأونكتاد، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة النقد الفلسطينية) الوضع بأنه “انهيار شبه كامل” وغير مسبوق تاريخياً.

فقد تسببت الحرب المستمرة لأكثر من عامين في محو مكاسب تنموية تراكمت على مدار عقود في دمار هائل بكل شيء تجاوز 90% في كافة القطاعات الاقتصادية والإسكان والبنية التحتية، وخسائر تقدر بحوالي 70 مليار دولار، وتجاوز حجم الركام في قطاع غزة بنهاية عام 2025 حوالي بنحو61 مليون طن، قد تستغرق عملية إزالة هذا الركام وتدويره أكثر من 10 أعوام إذا توفر التمويل والمعدات ، وخلال تلك الفترة تنامت معدلات الفقر والبطالة واتسعت فجوة انعدام الأمن العدائي وصولا إلى المجاعة التي استمرت لعدة أشهر وحذرت المؤسسات الدولية من استمرارها.

وفيما يلي قراءة في أبرز المؤشرات الاقتصادية التي تلخص هذا الواقع المرير:

تعرضت مؤشرات النمو والإنتاج انهيار كبير حيث شهد الناتج المحلي الإجمالي في غزة انخفاضاً حاداً جعل الاقتصاد يعود إلى مستوياته قبل أكثر من 20 عاماً.

وانخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في قطاع غزة بنسبة تتجاوز%84 خلال عام 2025 مقارنة مع عام 2023 وصولا إلى الانكماش الاقتصادي، حيث انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي إلى حوالي161 دولاراً فقط، وهو الأدنى عالمياً، حيث فقد الفرد نحو 94% من قوته الاقتصادية مقارنة بعام 2005،

وذلك بفعل توقفت وتراجع معظم الأنشطة الإنتاجية (الزراعية، الصناعية، والإنشائية) بشكل شبه كلي نتيجة التدمير المباشر للمنشآت والبنية التحتية.

حيث تراجعت معظم الأنشطة الاقتصادية في قطاع غزة خلال العام 2025 إلى حد كارثي مقارنة بالعام 2023، حيث سجل نشاط الإنشاءات أعلى تراجع بنسبة بلغت 99%، تلاه نشاط الصناعة بنسبة تراجع 94%، ثم نشاط الخدمات بنسبة تراجع 82%، كما تراجع نشاط الزراعة بنسبة 92%.
وارتفعت معدلات البطالة بشكل جنوني لتصل إلى 78% بعد أن كانت حوالي 45% قبل الحرب وهي الأعلى عالميا، وفقد أكثر من 250 ألف شخص وظائفهم بشكل دائم، مما يعني فقدان مصدر الدخل الأساسي لمعظم العائلات.

أما بخصوص الفقر فتشير التقديرات إلى أن أكثر من 90% من سكان قطاع غزة يعيشون حاليًا تحت خط الفقر وأكثر من 75% منهم يعيشون تحت خط الفقر المدقع (اقل من 1.90 دولار للفرد يوميًا) ، ويبلغ خط الفقر في فلسطين حوالي 2,717 شيكل إسرائيلي، فيما بلغ خط الفقر المدقع (الشديد) حوالي 2,170 شيكل إسرائيلي.

ووصل انعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة خلال عام 2025 إلى مستويات حرجة رغم وجود “تحسن نسبي” طفيف مقارنة بمنتصف العام الذي شهد ذروة المجاعة، وبلغت نسبة المتضررين حوالي 1.6 مليون نسمة، (أي 77% من سكان القطاع) عانوا من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وفي النهاية فإن كافة المؤشرات السابقة تؤكد بأن قطاع غزة حاليا في حالة انهيار كارثية ، حيث أن قطاع غزة أصبح نموذج لأكبر سجن بالعالم وجميع السكان معتقلين منذ أكثر من عامين، بلا إعمار، بلا معابر، بلا ماء ، بلا كهرباء، بلا عمل، بلا دواء، بلا حياة، بلا تنمية،

وهنا اود التساؤل.. هل يعقل في القرن الواحد وعشرين أن يترك قطاع غزة وعلى مدار أكثر من عامين في هذه الحالة الكارثية دون أدني مقومات حياة، لذا أصبح المطلوب بشكل عاجل وسريع من كافة المؤسسات والمنظمات الدولية والمجتمع الدولي الضغط الفعلي والحقيقي على إسرائيل لإنهاء حصارها لقطاع غزة وفتح كافة المعابر التجارية وإدخال كافة احتياجات قطاع غزة من السلع والبضائع وعلى رأسها مواد البناء دون قيود أو شروط، والسماح بحرية حركة المواطنين.