السياسي –
يواصل الريال الإيراني سقوطه الحر، مسجلاً مستويات غير مسبوقة تعكس عمق الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إيران. فالتراجع الحاد في قيمة العملة، مقترناً بموازنة انكماشية وضرائب متصاعدة، لم يعد مجرد تقلبات عابرة، بل بات مؤشراً على اختلالات هيكلية وسياسات تنقل عبء الفشل من الدولة إلى كاهل المواطنين.
انهيار العملة
وفي هذا الإطار، قال تقرير لموقع “Irannewsupdate”، أعده بيجمان أميري، إن العملة الوطنية الإيرانية دخلت مرحلة جديدة من الانهيار، بعدما بلغ سعر الدولار في آخر أيام التداول 136,545 توماناً في السوق المفتوحة، وهو أدنى مستوى تاريخي للريال.
وأضاف التقرير أن اليورو ارتفع إلى 161,090 توماناً، والجنيه الإسترليني إلى 184,630 توماناً، فيما سجلت الليرة التركية 3,185 توماناً، في تحركات لم تعد تُقرأ بوصفها تقلبات قصيرة الأمد، بل دليلاً على فقدان عميق للثقة واستقرار اقتصادي آخذ في التآكل.
موازنة تزيد القلق
وتابع التقرير أن هذا الانهيار تزامن مع تقديم موازنة من قبل حكومة مسعود بزشكيان إلى البرلمان، وهي موازنة لم تُسهم في تهدئة الأسواق، بل زادت منسوب القلق.
وأوضح التقرير أن التوجه العام للموازنة انكماشي بوضوح، ويعكس خيار الدولة معالجة أزمتها المالية عبر تحميل المجتمع كلفة العجز، بدلاً من خفض النفقات غير المنتجة أو إعادة ترتيب الأولويات.
ضرائب مرتفعة وأجور تتآكل
وأضاف التقرير أن أكثر من 80% من إيرادات الدولة المتوقعة ستأتي من الضرائب، ما يعني عملياً نقل العجز الهيكلي مباشرة إلى الأسر وأصحاب الأعمال الصغيرة.
وأشار التقرير إلى رفع ضريبة القيمة المضافة نقطتين مئويتين لتصل إلى 12%، وهو ما سينعكس فوراً على أسعار السلع والخدمات الأساسية.
وفي المقابل، أوضح التقرير أن زيادات رواتب الموظفين والمتقاعدين حُددت بنحو 20% فقط، رغم تضخم رسمي يناهز 50%، للعام الثامن على التوالي، بما يؤدي إلى تآكل ممنهج للقوة الشرائية.
وقال التقرير إن عائدات النقد الأجنبي تراجعت بشدة بفعل تشديد العقوبات الأميركية والأوروبية، وإعادة تفعيل آلية “سناب باك”.
وأضاف التقرير أن السلطات، بدلاً من مراجعة الإنفاق المتضخم على المؤسسات العسكرية والأمنية والمشاريع الأيديولوجية منخفضة العائد، اختارت المسار الأسهل سياسياً؛ وهو فرض مزيد من الضرائب على مجتمع أنهكه الغلاء.
تحذيرات الخبراء: ركود وبطالة
ونقل التقرير تحذير الخبير الاقتصادي مرتضى أفقة، الذي وصف هذا النهج بشديد الخطورة، مؤكداً أن الدولة تموّل نفسها عملياً من دخول المواطنين المتآكلة.
وأوضح التقرير أن ارتفاع الضرائب وضريبة القيمة المضافة، مقروناً بزيادات أجور دون مستوى التضخم، سيؤدي إلى إغلاق شركات صغيرة ومتوسطة، وارتفاع البطالة، وتعميق الركود الاقتصادي.
وتابع أن الضغوط المالية تتفاقم بفعل سياسات تسعير الوقود، لا سيما الاتجاه إلى اعتماد أسعار متعددة للبنزين، وخطط رفع تدريجي ومعلن للأسعار.
وأشار إلى أن الوقود يشكّل محركاً أساسياً للتكلفة في الاقتصاد الإيراني، وأن مجرد التوقع بارتفاع أسعاره يكفي لإطلاق موجات غلاء تطال النقل والغذاء والخدمات الحضرية.
الغذاء تحت الضغط
وأوضح أن إلغاء سعر الصرف التفضيلي للسلع الأساسية فاقم أزمة المعيشة، مقدماً سوق الأرز مثالاً صارخاً. فبعد إلغاء الدولار المدعوم عند 28,500 تومان، بات استيراد الأرز يتم بأسعار تفوق 100 ألف تومان، لترتفع أسعار الأرز المستورد إلى 140–170 ألف تومان للكيلوغرام، فيما تجاوز الأرز المحلي الجيد حاجز 300 ألف تومان، حتى قبل دخول الشحنات الجديدة إلى الأسواق.
وأضاف التقرير أن بيانات برنامج القسائم الغذائية الحكومية كشفت أن 41% من قيمة القسيمة تُنفق اليوم على الأرز وحده. ونقل التقرير عن ناشطين عماليين قولهم إن ذلك لا يعكس نجاح الدعم، بل خروج الأرز من النظام الغذائي الاعتيادي للعمال.
وأشار التقريرإلى شهادة عامل يتقاضى نحو 15 مليون تومان شهرياً، قال إن إنفاق مليوني إلى ثلاثة ملايين تومان على كيس أرز بات أمراً مستحيلاً.
توقعات أكثر قتامة
وقال التقرير إن الخبير الاقتصادي محمد تقي فياضي حذر من أن التضخم قد يبلغ 60% العام المقبل، نتيجة الاعتماد على مصادر تمويل غير مستقرة وتوسيع إصدار الديون الحكومية.
وأوضح أن زيادة بيع السندات قد تؤدي إلى نمو السيولة وارتفاع التضخم، ما يجعل زيادة الأجور بنسبة 20% بمثابة خفض حقيقي للأجور وإشارة سلبية للأسواق والمجتمع.
وأضاف التقرير أن الخلافات بين الحكومة والبرلمان لم تُسهم في تهدئة الأسواق، بل أعادت إلى الواجهة انقسامات داخل النظام نفسه. وأشار التقرير إلى أن الصراع هذه المرة لا يدور حول تقاسم الموارد، بل حول تحديد المسؤولية عن الانهيار الاقتصادي.
استقالة محافظ البنك المركزي الإيراني
في الوقت الذي تعاني فيه إيران من تراجع قيمة العملة وارتفاع التضخم، ذكرت “وكالة نور نيوز” الإيرانية شبه الرسمية، اليوم، نقلاً عن مسؤول في مكتب الرئيس مسعود بزشكيان أن محافظ البنك المركزي محمد رضا فرزين استقال من منصبه.
وتأتي الاستقالة في وقت تشهد فيه البلاد توترات اقتصادية متصاعدة. ويتزامن ذلك مع موجة احتجاجات يقودها تجار وأصحاب محال في العاصمة طهران، على خلفية الانهيار المتسارع لقيمة العملة الوطنية، الريال، وما يرافقه من تضخم حاد وارتفاع مستمر في أسعار السلع الأساسية.
ويكشف التقرير أن الانهيار الاقتصادي في إيران ليس نتاج ضغوط خارجية فحسب، بل ثمرة خيارات استراتيجية اعتمدها النظام، من القطيعة مع الغرب إلى العزلة الدولية، وصولاً إلى الاستمرار في تمويل شبكات ونفوذ خارجي على حساب الداخل.
ومع تهاوي الريال واختفاء السلع الأساسية من موائد الأسر، يتضح أن النموذج الاقتصادي القائم لا يُدار بوصفه نظاماً مأزوماً، بل كنظام يستمر عبر تحميل المواطنين كلفة إخفاقاته، شهراً بعد شهر.





