كشفت دراسة علمية أميركية حديثة عن عيب نانوي “كيمائي” غير مرئي يفسر تدهور بطاريات السيارات الكهربائية المصنعة بتقنية “البلورة الواحدة”، وهي التقنية التي كانت تعد حتى وقت قريب حجر الأساس في خفض كلفة البطاريات وإطالة عمرها التشغيلي، ما يضع تحديات جديدة أمام مسار التحول نحو المركبات الكهربائية منخفضة السعر. وأفادت الدراسة، التي أنجزها باحثون من مختبر أرغون الوطني التابع لوزارة الطاقة الأميركية، بالتعاون مع كلية بريتزكر للهندسة الجزيئية في جامعة شيكاغو، بأن بطاريات أيونات الليثيوم ذات الكاثود أحادي البلورة تتعرض لتصدعات داخلية ناتجة عن اختلالات مجهرية في سرعة التفاعل الكيميائي، رغم غياب العيوب البنيوية المعروفة في البطاريات التقليدية متعددة البلورات.
ووفق نتائج البحث، فإن الرهان الصناعي على الكاثودات أحادية البلورة، باعتبارها أكثر متانة وأمانا وأطول عمرا، لا يلغي بالضرورة خطر التدهور الميكانيكي. وأوضح العلماء أن المشكلة لا تنشأ من حدود البلورات، كما هو الحال في الكاثودات متعددة البلورات، بل من داخل البلورة نفسها، حيث تتفاعل مناطق مختلفة بسرعات غير متجانسة أثناء دورات الشحن والتفريغ، ما يولد ضغوطا داخلية تؤدي إلى تشقق المادة من الداخل.
ويشهد سوق بطاريات السيارات الكهربائية نموا ضخما بالتوازي مع تعاظم الطلب على المركبات الكهربائية عالميا.
وتهيمن بطاريات الليثيوم أيون حاليا على السوق بفضل كثافتها الطاقية العالية وأدائها المناسب، وتقدر قيمة السوق العالمي للبطاريات بأكثر من 150 مليار دولار بحلول 2025 مع توقعات بنمو سنوي مركب يزيد عن 20 – 25% في العقد المقبل. ويواجه السوق تحديات تتعلق بتوافر المواد الخام مثل الليثيوم والكوبالت والمنغنيز وبتقلبات الأسعار، إضافة إلى ضغوط بيئية مرتبطة بالتعدين والتدوير. ويتجه المصنعون نحو تحسين تركيبات المواد لتقليل الاعتماد على المعادن النادرة وتحقيق بطاريات أكثر أمانا وأقل تكلفة، ما يجعل سوق البطاريات محورا استراتيجيا في مستقبل السيارات الكهربائية والتنقل الأخضر.
أمان البطاريات
وقال الباحث خليل أمين، وهو زميل متميز في مختبر أرغون، إن ثقة المستهلكين في أمان البطاريات وطول عمرها عنصر حاسم في انتشار السيارات الكهربائية، مشيرا إلى أن استمرار تدهور البطاريات، حتى في التصاميم المتقدمة، يمثل تحديا تقنيا واقتصاديا في آن واحد. وأظهرت التجارب المخبرية، التي اعتمدت على تقنيات متقدمة للأشعة السينية والمجاهر الإلكترونية عالية الدقة، أن الكاثودات المعتمدة على مزيج النيكل والمنغنيز والكوبالت في حالتها أحادية البلورة، تتأثر بشدة بما يعرف بعدم تجانس التفاعل، وهو عامل لم يكن محسوبا بدقة في النماذج الصناعية السابقة.
وفي تطور لافت، خلصت الدراسة إلى أن عنصر الكوبالت، الذي تسعى الصناعة العالمية إلى تقليص استخدامه بسبب كلفته المرتفعة وإشكاليات استخراجه الأخلاقية، يؤدي دورا إيجابيا في تثبيت البنية البلورية وتقليل الإجهادات الداخلية، على عكس المنغنيز الذي ينظر إليه كبديل أقل كلفة، لكنه أظهر تأثيرا سلبيا أكبر على متانة البلورة الواحدة. وأوضح الباحث تونغتشاو ليو، من مختبر أرغون، أن آلية الفشل في الكاثودات أحادية البلورة تختلف جذريا عن تلك المعروفة في المواد متعددة البلورات، مؤكدا أن التدهور يحدث نتيجة تمزق داخلي ناتج عن تفاوت الاستجابة الكيميائية داخل الجسيم الواحد.
ونشرت نتائج الدراسة في دورية علمية محكمة، ما أثار نقاشا واسعا داخل أوساط صناعة السيارات الكهربائية، نظرا لما تحمله من انعكاسات مباشرة على كلفة الإنتاج ومسار خفض أسعار المركبات الكهربائية خلال السنوات المقبلة. وحذّر خبراء من أن الحاجة المحتملة إلى الإبقاء على نسب أعلى من الكوبالت، أو تطوير بدائل صناعية معقدة تحاكي خصائصه، قد تبطئ وتيرة انخفاض كلفة البطاريات لكل كيلوواط/ساعة، وهو ما يتعارض مع التوقعات المتفائلة التي راهنت عليها شركات تصنيع السيارات والمستثمرون، وفقل لموقع “شيناري إيكونومتشي” الإيطالي.
وتشير الدراسة إلى أن الطريق نحو بطارية كهربائية منخفضة الكلفة، طويلة العمر وآمنة، لا يزال يتطلب مزيدا من البحث والتطوير، في وقت تتسارع فيه القرارات التنظيمية في العديد من الدول لحظر محركات الاحتراق الداخلي. ويخلص الباحثون إلى أن التقدم في تقنيات تخزين الطاقة لا يسير بخط مستقيم، بل يخضع لدورات متعاقبة من الاكتشافات والتحديات، مؤكدين أن الاستثمار في البحث العلمي الأساسي يبقى شرطا حاسما قبل الانتقال الواسع إلى حلول صناعية شاملة في قطاع السيارات الكهربائية.
- العربي الجديد






