واحدٌ وستون عامًا مرّت منذ أن قرر الفلسطيني، عبر حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح، أن يخرج من موقع الضحية إلى موقع الفاعل، ومن هامش التاريخ إلى قلبه. لم تكن انطلاقة فتح مجرد إعلان تنظيمي، بل كانت إعلان ولادة الإرادة الفلسطينية المستقلة، وقرارًا تاريخيًا بأن فلسطين لا تُحرَّر بالانتظار ولا تُستعاد بالوصاية، بل بالفعل الوطني الحر.
جاءت فتح في زمنٍ كان فيه العدو يراهن على نسيان فلسطين، وعلى تذويب شعبها في المنافي، فكسرت هذه المعادلة، وأعادت الاعتبار للهوية الوطنية، وحملت البندقية والفكرة معًا، لتؤسس لمرحلة جديدة عنوانها: الكفاح الفلسطيني بقيادة فلسطينية. ومن رحم فتح وُلدت الثورة، وتعززت منظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا شرعيًا وحيدًا، وصارت فلسطين قضية شعب يناضل لا قضية تعاطف عابر.
قدّمت فتح عبر مسيرتها الطويلة قوافل من الشهداء، من القادة المؤسسين إلى المقاتلين في الميدان، ودفعت أثمانًا باهظة كي تبقى راية فلسطين مرفوعة. ولم يكن دم الشهداء نهاية الطريق، بل وقوده. ومعهم يقف الأسرى، عنوان الصمود الصامت، الذين يواجهون السجان بأجسادهم وإرادتهم، ويجسدون المعنى الحقيقي للحرية القادمة.
تحل هذه الذكرى فيما يتعرض شعبنا لأخطر عدوان في تاريخه المعاصر. غزة تُقصف وتُدمّر وتُحاصر وتُستهدف في وجودها، في جريمة مكتملة الأركان تهدف إلى كسر إرادة المقاومة وإفراغ الأرض من أهلها. وفي الضفة الغربية يتصاعد الاستيطان، وتتوحش الاقتحامات، وتُغتال الكلمة والبندقية معًا، في محاولة لإطفاء جذوة النضال.
وفي قلب هذا المشهد، تبقى فتح حاضرة كقوة وطنية جامعة، تتحمل مسؤوليتها التاريخية في حماية المشروع الوطني، والدفاع عن وحدة الأرض والشعب، ورفض كل محاولات التصفية أو التقسيم أو فرض الحلول الإسرائيلية بالقوة. فتح اليوم ليست مجرد ذاكرة نضال، بل حاجة وطنية ملحّة في زمن الانقسام والاستهداف الشامل.
فتح والمستقبل… دولة لا تُلغى
إن فتح التي قادت النضال في الماضي، وتتحمل عبء الحاضر، هي ذاتها القادرة على المضي بالشعب الفلسطيني نحو المستقبل:
مستقبل الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، وحق العودة للاجئين، وإنهاء الاحتلال عن كل شبر من أرضنا.
المستقبل الذي تؤمن به فتح هو مستقبل الوحدة الوطنية، وتجديد النظام السياسي، وترسيخ الشراكة، وتعزيز الصمود، والمقاومة بكل أشكالها المشروعة، دون التفريط بالثوابت أو التنازل عن الحقوق، ودون السماح بتحويل نضالنا إلى ورقة في حسابات الآخرين





