السياسي – أثار مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، جدلا واسعا داخل الاحتلال الإسرائيلي، عقب تعليقه على مقولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي وصف فيها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بأنه «بطل إسرائيل في الحرب»، معتبرا أنه لولا نتنياهو «لما كانت إسرائيل موجودة اليوم».
وخلال حديث للإذاعة العبرية الرسمية، قال آيلاند٬ عراب “خطة الجنرالات” للقضاء على المقاومة٬ إن إسرائيل لم تنج بفضل قرارات نتنياهو أو قيادته، بل نجت من الفناء نتيجة «خطأين مصيريين» ارتكبهما كل من الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، والمرشد الإيراني علي خامنئي، في لحظة مفصلية أعقبت هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
ووصف آيلاند تصريحات ترامب ونتنياهو بأنها جزء من «حملة انتخابية ليكودية تقليدية»، مؤكدا أن الواقع الميداني والاستراتيجي «معاكس تقريبا» لما يجري تسويقه للرأي العام.
وقال إن الإسرائيليين يركزون كثيرا على السابع من تشرين الأول/أكتوبر باعتباره الحدث الأخطر منذ المحرقة النازية، مشددا على ضرورة التحقيق فيه، لكنه اعتبر أن الحدث الأخطر لم يكن ما وقع فعليا، بل ما كان يمكن أن يحدث ولم يحدث.
وأضاف أن جوهر المسألة يكمن في فحص ما لم يفعله نتنياهو، وليس ما فعله، موضحا أن إسرائيل كانت قريبة جدا من «التصفية الكاملة». وأكد أن تل أبيب نجت فقط لأن نصر الله وخامنئي لم يقررا، في ظهر ذلك اليوم وبعد اتضاح صورة الهجوم في غزة، استخدام كامل قدراتهما العسكرية. ولو حدث ذلك، على حد قوله، «لما كانت إسرائيل قائمة اليوم»، إذ كانت على مسافة خطوة واحدة من مصير شبيه بما تعرض له الشعب اليهودي في المحرقة.
وشدد آيلاند على أن الأمر لا يتعلق بتنسيق مع قائد حركة حماس في غزة يحيى السنوار، بل بفهم نصر الله وخامنئي لحساسية الوضع الناشئ في تلك اللحظة. وخلص إلى أن النجاة الإسرائيلية كانت نتيجة «خطأ مصيري» ارتكبه الخصوم، مؤكدا أن تل أبيب كانت قريبة جدا من اختفائها.
وتابع الجنرال الإسرائيلي السابق بالقول إن حزب الله كان يمتلك القدرة خلال ساعات على احتلال الجليل، والوصول إلى خليج حيفا ومينائه الذي يتمركز فيه معظم الأسطول البحري الإسرائيلي، إضافة إلى بلوغ قاعدة «رمات دافيد» الجوية في مرج بن عامر.
ووأوضح أنه في مثل هذا السيناريو لم يكن لدى الاحتلال الإسرائيلي أي جواب فعلي على هذا التهديد، خاصة في ظل احتمال إطلاق إيران نحو 200 صاروخ باليستي دقيق على مواقع حيوية داخل البلاد، إلى جانب حالة عدم اليقين بشأن ما كان يمكن أن يحدث في الضفة الغربية والمناطق الحدودية في تلك الساعات.
وقال آيلاند إن «السطر الأخير» في هذا المشهد يتمثل في أن إسرائيل كانت على بعد خطوة واحدة مما أسماه «خراب الهيكل الثالث»، مضيفا أن الله وحده كان يعلم إن كان الشعب اليهودي سينهض مجددا من كارثة بهذا الحجم. وخلص إلى أن تل أبيب نجت من سيناريو يصعب تخيله بسبب «غلطتين اقترفتهما قيادتا حزب الله وإيران».
وفي سياق آخر، تطرق آيلاند إلى التسريبات والتقارير الصحفية التي تحدثت عن تفاهم بين ترامب ونتنياهو للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، متسائلا عن الخط الأحمر أو الشرط الفعلي لهذا الانتقال. وقال إن تصريحات ترامب حول «سحق حماس» تفتقر إلى أي تغطية عملية، متسائلا عن الكيفية التي يمكن للولايات المتحدة أن تفعل بها ما لم تستطع إسرائيل فعله سابقا.
وأوضح أن حماس ليست جيشا معزولا في البرية يمكن استهدافه بسهولة، بل هي حركة مندمجة بعمق داخل المجتمع الغزي، ما يجعل الحديث عن «سحقها» أقرب إلى الشعار منه إلى الخطة.
وأضاف أن من مكاسب الاحتلال في غزة ما يعرف بـ«الخط الأصفر»، أي السيطرة على نصف القطاع في منطقة خالية، وهو ما يشكل امتيازا كبيرا للمستوطنات وللجيش، لكنه حذر من أن هذا المكسب قد يتبدد إذا بدأ الأمريكيون ببناء مدينة رفح داخل هذه المنطقة، مشيرا إلى أنها لن تكون مدينة أشباح، بل سيقطنها الغزيون ومعهم حماس، ما يعيد الأمور إلى نقطة البداية.
وأعرب آيلاند عن شكوكه في أن يكون الطرفان، الإسرائيلي والأمريكي، يفهمان الواقع في غزة بالطريقة ذاتها، كما شكك في قدرة نتنياهو على شرح هذا الواقع للإدارة الأمريكية.
وأضاف أن هذه المخاوف مبررة في إسرائيل، نظرا إلى تقلب مزاج ترامب واعتماده على إطلاق شعارات لا تطبق في كثير من الأحيان، فضلا عن غياب أي خطة واضحة أو جدول زمني لنزع سلاح غزة، وعدم وضوح الجهة التي ستتولى تفكيك سلاح حماس، في ظل غياب قوات استقرار في الأفق.
وأشار إلى أن ترامب، مقابل منحه الضوء الأخضر للاحتلال لضرب إيران، يبدو مصمما على الانتقال السريع إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وربما خلال أسبوعين، كما ذكرت صحيفة «يسرائيل هيوم»، من دون ربط ذلك بتفكيك فوري لسلاح حماس، وإنما بشكل تدريجي، ومن دون اشتراط استعادة رفات الأسير الإسرائيلي الأخير مسبقا. وفي هذا الإطار، لم تستبعد الإذاعة العبرية الرسمية أن يعلن خلال أيام عن فتح معبر رفح في الاتجاهين استجابة لرغبة ترامب.
وفي موازاة ذلك، أكدت صحيفة «هآرتس» العبرية في عنوانها الرئيسي وجود مخاوف حقيقية في تل أبيب من احتمال أن يبدد ترامب خطة تفكيك سلاح حماس. وأشارت الصحيفة إلى أن محيط نتنياهو تنفس الصعداء بعد اللقاء مع ترامب، إذ لم يكن واضحا قبل القمة ما إذا كان الرئيس الأمريكي سيظهر غاضبا أو ودودا، بينما قال مقربون من نتنياهو إن الاجتماع المغلق خلا من الخلافات، وإن الأمور جرت أفضل مما كان متوقعا، خلافا لما صورته الصحافة.
غير أن «هآرتس» أوضحت أن ترامب لم يقدم إجابات على الأسئلة الجوهرية التي تقلق إسرائيل، ونقلت عن مقربين من نتنياهو ترجيحاتهم بأن يسمح ترامب ببدء إعادة إعمار غزة قبل تدمير الأنفاق ونزع السلاح. وعكست الصحيفة هذه المخاوف برسم كاريكاتيري يظهر ترامب إلى جانب نتنياهو وهو يقول: «بدونه لما كانت دولة حماس».
وفي السياق نفسه، شدد المحلل السياسي في «هآرتس» يوسي فرطر على أن ترامب ليس «بابا نويل» ولا يوزع الهدايا مجانا، معتبرا أن اللقاء مع ترامب كان إنجازا لنتنياهو بعد أسابيع صعبة داخليا، لكنه سيضطر في المقابل إلى دفع ثمن الإطراءات الأمريكية، خاصة أن ترامب يريد دورا لتركيا وقطر في غزة، على بعد كيلومترات من تل أبيب.
وختم آيلاند حديثه بالإشارة إلى قلقه من الملف السوري، معتبرا أن أي اتفاق مع سوريا يمكن أن يكون إيجابيا حتى لو شمل انسحابا إسرائيليا، شريطة الربط بين سوريا وإيران وتركيا، والحفاظ على حرية الحركة الجوية الإسرائيلية.
وحذر من أن النفوذ التركي المتزايد في سوريا مقلق، وكذلك طموحات أنقرة الإقليمية وسعيها للحصول على طائرات «إف-35»، معتبرا أن تركيا دولة قوية عسكريا ولا تتردد في إزعاج إسرائيل، وأن سعيها لإغلاق المسار الجوي في سوريا قد يقود إلى اصطدام محتمل، في ظل حوار أمريكي–تركي وصفه بالمثير للقلق، مؤكدا أن طائرات الشبح يجب أن تكون مصدر قلق كبير للاحتلال.








