السياسي – رجح محللون أن اغتيال اثنين من قادة حركة حماس قد يكون انتكاسة قصيرة الأجل، ولكنها لا تكفي لمنعها من إعادة الظهور “سليمة وربما أكثر تطرفا”، في إشارة إلى استشهاد رئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب إسماعيل هنية، وقائد كتائب القسام محمد الضيف، الذي أعلن الاحتلال النجاح في اغتياله.
ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا للصحفية إيريكا سولومون، قالت فيه: إن “اغتيال زعيم حماس الأعلى في الخارج إسماعيل هنية، وإعلان إسرائيل أنها قتلت قبل أسابيع فقط الزعيم العسكري الأكثر مراوغة واحتراما لحماس، يأتي بينما تواصل إسرائيل شن أعنف حرب واجهها الفلسطينيون في قطاع غزة على الإطلاق”.
وذكر المقال أنه “في الإحصاء الأولي تبدو النتيجة الأخيرة في الصراع الذي دام 30 عاما بين إسرائيل وحماس وكأنها نتيجة مدمرة للحركة الإسلامية، وهي النتيجة التي تلقي بظلال من الشك على مستقبلها، ولكن تاريخ حماس، وتطور الجماعات الفلسطينية المسلحة على مدى عقود من الزمان، ومنطق التمردات على نطاق أوسع يشير إلى أن حماس لن تنجو فحسب، بل إنها قد تخرج أقوى سياسيا”.
وأضاف المقال “يرى المحللون والمراقبون الإقليميون الذين يتعاملون مع قادة حماس أن الضربات الأخيرة التي تعرضت لها ــ بما في ذلك اغتيال هنية، الذي يعتقد على نطاق واسع أنه تم على يد إسرائيل ــ تقدم للقوات الإسرائيلية نصرا قصير الأمد على حساب النجاح الاستراتيجي الطويل الأمد”.
ونقل المقال عن المحللة البارزة في شؤون فلسطين في مجموعة الأزمات الدولية، تهاني مصطفى، وهي التي تقدم تحليلات سياسية حول إنهاء الصراعات: “بدلا من خلق القطع الذي كانوا يأملون فيه، والذي من شأنه أن يجعل الناس خائفين أو مهزومين تماما، فإن هذا من شأنه أن يخلف التأثير المعاكس، لقد قدمت لهم إسرائيل للتو أوراقا رابحة”.
وجاء في المقال أن “الحملة العسكرية التي شنتها إسرائيل ردا على هجمات حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أدت إلى نزوح نحو 90 بالمئة من سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة، وتدمير مساحات شاسعة من مدن القطاع، وقتل 39 ألف شخص، وفقا لوزارة الصحة في غزة، التي لا تميز بين المدنيين والمقاتلين”.
وعلى الرغم من ذلك، فإن حماس لا تظل نشطة فحسب، بل إنها تجند مقاتلين جددا في غزة وخارجها، كما يقول السكان المحليون والمحللون، كما بدأ المقاتلون في الظهور من جديد في المناطق التي طردتهم منها “إسرائيل” قبل أشهر، بحسب المقال.
وبالنسبة لحماس، فإن منطق التمرد يعني أن مجرد البقاء على قيد الحياة في مواجهة جيش أكثر قوة يوفر نصرا رمزيا، ومع ذلك تأتي فرصة للبقاء في السلطة التي تدوم لفترة أطول من أي ألم ألحقته “إسرائيل”.
وزعم جيش الاحتلال الأربعاء، أن ضربة نفذها في الثالث عشر من تموز/ يوليو أدت إلى استشهاد محمد ضيف، قائد الجناح العسكري لحماس، والذي يُنظر إليه على أنه مهندس هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر على “إسرائيل”.
ولم تؤكد حماس بعد استشهاده، ولكن رحيل الضيف من شأنه أن يمثل نهاية جهود إسرائيلية استمرت لسنوات طويلة للقضاء على الرجل الذي يعتبر فعليا ثاني أكبر زعيم، بعد الرجل المطلوب لدى “إسرائيل”، يحيى السنوار، وهو رئيس حماس في غزة.
وجاء إعلان “إسرائيل” عن استشهاد الضيف في اليوم الذي تجمع فيه المشيعون لتوديع هنية، الذي قضى أثناء زيارة لحضور تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، واتهمت كل من إيران وحماس “إسرائيل”، التي لديها تاريخ طويل في اغتيال أعدائها، بالوقوف وراء العملية.
ورجح المقال أن خسارة هنية سوف تكون صعبة على حماس، وينظر المحللون الإقليميون إلى هنية باعتباره شخصية أكثر اعتدالا داخل الحركة الإسلامية، وكان بمثابة جسر بين الفصائل المتنافسة.
وأضاف أنه ينظر إليه باعتباره زعيما على استعداد للدفع نحو الوساطة، بما في ذلك محادثات وقف إطلاق النار المستمرة، وإن كانت متعثرة، مع “إسرائيل”.
وقال خالد الجندي، الخبير في الشؤون الفلسطينية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: “عندما تقوم بقتله فالرسالة هي: المفاوضات لا تهم”.
وأضاف: “لا أرى سببا لاستنتاج أن حماس قد تصبح غير مهمة. السؤال هو: كيف تتغير حماس بعد هذا؟ وأعتقد أن هناك حجة قوية للغاية يمكن تقديمها بأن القيادة تصبح أكثر تشددا”.
لقد حل محمد الضيف نفسه محل أحمد الجعبري، الزعيم العسكري الذي اغتالته “إسرائيل” في عام 2012 بضربة مستهدفة على سيارته، وفي ذلك الوقت، كان يقود جانب حماس في جهود الوساطة للتوصل إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد مع “إسرائيل”.
وبين المقال أن “حملات القتل المستهدفة التي شنتها إسرائيل على مدى عقود من الزمان ضد منافسيها الفلسطينيين والإقليميين لها سجل مثير للجدل: لقد زعم المنتقدون منذ فترة طويلة أن هذا التكتيك ببساطة خلق مساحة لأحزاب أو قادة جدد للظهور كأعداء رئيسيين لإسرائيل – غالبا مع استبدالهم بقوى أكثر تطرفا”.
وأشار إلى أنه في سبعينيات القرن العشرين “اغتالت إسرائيل وديع حداد، القائد العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الشيوعية، مما أدى إلى انهيار تلك المجموعة، وبعد عقد من الزمان، حل محلها عدو فلسطيني جديد: القوة الوطنية التي كان يتزعمها ياسر عرفات، فتح، وقتلت إسرائيل أيضا زعيمها العسكري الذي كان يحظى بشعبية، خليل الوزير، لكنها فشلت في شل حركة المجموعة”.
وتضمن المقال أن “حماس التي تأسست في عام 1987 درست تاريخ الجماعات المسلحة الفلسطينية على أمل تجنب مصيرها، منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبحت حماس المجموعة التي ينظر إليها الفلسطينيون على أنها تحمل عباءة المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي في حين تلاشت القدرات العسكرية للجماعات الأخرى، أو في حالة فتح تخلت عن النضال كإستراتيجية أساسية لصالح المفاوضات”.
ومع انهيار محادثات السلام في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نمت قوة حماس، وفشلت عدة اغتيالات إسرائيلية لزعمائها، بما في ذلك مؤسسيها، في إخراج المجموعة عن مسارها.
وتقدم قصة حياة هنية درسا مختلفا في العواقب غير المقصودة لبعض محاولات “إسرائيل” لشل حركة حماس، وكان من بين 400 فلسطيني طردتهم “إسرائيل” من غزة إلى جنوب لبنان، الذي كان آنذاك تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وبدلا من التهميش، اكتسبت شخصيات مثل هنية المزيد من الشعبية وانتشارا إقليميا أوسع.
وتقول المحللة السياسية تهاني مصطفى إن المبدأ الأكثر أهمية لبقاء حماس هو عدم الاعتماد بشكل مفرط على الدعم المادي من داعميها الأجانب ــ وهو الاعتماد الذي سمح لـ “إسرائيل” باستنزاف منظمة التحرير الفلسطينية في السبعينيات والثمانينيات.
ويبدو أن حماس حافظت حتى الآن على هذا الاعتماد على الذات حتى في ظل الحصار الإسرائيلي المشدد على غزة، ورغم أن إيران هي المصدر الرئيسي لأموال حماس وأسلحتها ــ فقد استخدمت حماس مسيراتها الهجومية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ولكن إيران تكافح الآن أيضا لمنع نفسها من الانجرار إلى حرب إقليمية.
ولدى مقاتلي حماس مهندسون يعرفون كيفية الاستفادة من أي شيء يمكنهم العثور عليه على الأرض ــ من الإمدادات المنهوبة من القواعد الإسرائيلية أو الكمائن على المركبات الإسرائيلية، أو من استخراج المواد من الذخائر غير المنفجرة والمسيرات الإسرائيلية التي تقع بأيديهم.
وتقول تهاني مصطفى: “لقد حصلوا على الكثير من الدعم الخارجي من حيث التمويل والتدريب، ولكن من حيث اللوجستيات، فإن الكثير من ذلك محلي الصنع. ولهذا السبب، حتى الآن، بعد مرور ما يقرب من عشرة أشهر، لم نشهد تراجعا في المقاومة”.
لا يعتقد جميع مراقبي حماس أن حماس قادرة على الصمود في ظل الضغوط الحالية. ويعتقد بعض المحللين، مثل مايكل ستيفنز في مجموعة الأبحاث التي تتخذ من لندن مقرا لها، معهد الخدمات المتحدة الملكي، أن الضربات سوف تتسبب في أضرار مؤقتة كافية لإجبار حماس على تقديم المزيد من التنازلات.
وقال أكرم عطا الله، المحلل السياسي الغزي في صحيفة “الأيام”، إن حماس سوف تخرج من هذه الحرب وقد أصيبت بأضرار بالغة ـ ليس فقط من الناحية العسكرية، بل وأيضا من حيث الدعم في غزة، المنطقة التي كانت “دائما مركز ثقلها”.
وقال إن قدرا كبيرا من الشعبية التي يُعتَقَد أن حماس اكتسبتها جاءت من خارج غزة ـ مثل الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، مضيفا أن “هذا أمر مفهوم لسبب واضح واحد: إن سكان غزة هم الذين يدفعون الثمن”.
وذكر أن حماس لن تتمكن أبدا من قيادة قطاع غزة بعد انتهاء الهجوم الإسرائيلي، وهذا لن ترفضه فقط “إسرائيل” وداعميها الرئيسيين في واشنطن، بل سيرفضه أهل غزة أيضا.
ولكن حتى مع هذا التصميم، لم يبذل معارضو حماس الكثير لضمان أن يتمكن أي شخص من استبدال حماس، كما يقول ستيفنز.
وقال: “لا أحد يريد الذهاب إلى هناك، لأن لا أحد يريد أن يمتلك هذه المشكلة. من الذي سيحمل القضية الفلسطينية؟ يبدو الوضع سيئا بالنسبة لحماس الآن – ولكن ما هي البدائل بالضبط؟”
وتتوقع تهاني مصطفى فترة طويلة حيث تظل غزة محاصرة في فراغ السلطة، مع دخول “إسرائيل” والانسحاب من الجيوب التي يعاود فيها نشطاء حماس الظهور ثم الاختفاء.
ويقول عطا الله إنه حتى لو وجهت إسرائيل ضربة قاصمة لحماس في نهاية المطاف، فإن السؤال الوحيد سيكون من سيظهر بعد ذلك.
وأضاف: “ما دام هناك احتلال، سيستمر الفلسطينيون في القتال. سواء كانت حماس لا تزال موجودة أم لا”.