الحراك الجامعي يُعري ديموقراطية أميركا والغرب

أكرم حمدان

كشفت الاحتجاجات الطلابية التي بدأت تتوسع في الولايات المتحدة وتنتقل إلى عواصم غربية أخرى مثل فرنسا وألمانيا، تنديدًا بالعدوان الصهيوني وحرب الإبادة على غزة، لا بل عرًت كل الشعارات والعناوين التي رفعتها وترفعها أميركا والغرب حول الحريات وحقوق الإنسان، حيث شنت الشرطة عمليات اعتقال شملت مئات المحتجين من الطلاب في عدد من أكبر وأعرق الجامعات في أمريكا.

 

فمن لوس أنجلوس إلى نيويورك وواشنطن مرورًا بأوستن وبوسطن وشيكاغو وأتلانتا، وانتقالًا إلى ألمانيا وفرنسا، تتصاعد الاحتجاجات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين والمطالبة بوقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وقد شملت المظاهرات جامعات مرموقة عالميًّا مثل هارفرد ويال وكولومبيا وبرينستن، وهو ما يعيد للأذهان الاحتجاجات على حرب فيتنتام عام 1968 والتي أسست للانسحاب الأميركي من فيتنام.

 

وقد ارتفعت وتيرة هذه الاحتجاجات وتوسعت رقعتها، بعد عمليات القمع والاعتقال والسحل التي قامت بها وحدات الشرطة ضد المعتصمين والمحتجين من الطلاب والأساتذة، والتي تُعد انتهاكاً للحريات.

 

إن الحديث عن مئات لا بل آلاف الاعتقالات التي تمّت بناء لطلب إدارات الجامعات، يطرح تساؤلات كبيرة ومهمة ربما تُجيب عليها الأيام القادمة ومنها:

أين حرية الرأي والتعبير التي يتشدق بها الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية؟

ما الذي أزعج إدارات الجامعات من اعتصام سلمي تضامني وخيم داخل الحرم الجامعي؟

وما علاقة التغريدة التي نشرها الحساب الرسمي للموساد الإسرائيلي على منصة X؟

والأهم هو ما هي المطالب التي رفعها هؤلاء الطلاب والأساتذة وإلى أي مدى قد تؤثر؟

 

إن محاولات الإجابة على هذه الأسئلة لا تحتاج إلى تحليل وتفسير كثيراً، فقد كشفت عملية التدخل من قبل السلطات السياسية وحكام الولايات واللوبي الصهيوني، مدى زيف الشعارات التي يتغنى بها الغرب عمومًا وأميركا خصوصاً وتحديداً حول حرية الرأي والتعبير، من خلال طلب تدخل الشرطة لفض الاعتصامات وشن حملة اعتقالات بحق المعتصمين من الطلاب والأساتذة.

 

إن محاولات الموساد الصهيوني واللوبي تشييع أخبار وفبركة روايات حول العداء للسامية وغيرها من العناوين، قد تم إفشالها من قبل الطلاب والأساتذة ومنهم من الديانة اليهودية الذين نفوا كل هذه الروايات والأكاذيب وكانوا من المشاركين في الاعتصامات ضد الحرب على غزة.

 

وهذا الأمر يسري على عدد من دول أوروبا التي توفر الدعم الكبير لإسرائيل على خلفية الارتباط بالمحرقة اليهودية، وتعمل بالمقابل على قمع كل نشاط للتضامن مع الفلسطينيين، وفقاً لرأي أرتي نارسي من المنتدى المدني الأوروبي.

 

كذلك، فإن جوليا هال من منظمة العفو الدولية تقول إن “التذرع بالتصدي لمعاداة السامية لكم الأصوات المنتقدة للحكومة الإسرائيلية يفقد كل معناه لا سيما أن بعض المنتقدين هم من اليهود”، وفي أكتوبر الماضي، أوقفت إيريس هيفيتس المتخصصة في العلاج النفسي في برلين لحملها لافتة كتب عليها “بصفتي يهودية وإسرائيلية، أطلب منكم وقف الإبادة الجماعية في غزة”.

 

وأكدت جمعية “يوديشي شتيمي” اليهودية التي تندّد بالتعاون الألماني مع النظام السياسي للفصل العنصري لدولة إسرائيل في الضفة الغربية، أن حساباتها قد جمدت.

 

إن توسع حركة الاحتجاجات لتشمل جامعات، تكساس، هارفارد بولاية ماساتشوستس، نورث إيسترن بمدينة بوسطن، كولومبيا في نيويورك وجورج واشنطن في العاصمة، ومشاهد السحل خلال حملة الاعتقالات التي شنتها الشرطة، ولا سيما مشاهد اعتقال رئيس قسم الفلسفة في جامعة إيموري، نويل مكافي، وأستاذة الاقتصاد بالجامعة كارولين فوهلين التي شاهد العالم كيف تم ليّ ذراعها وطرحها أرضًا من قبل رجلي شرطة، حرّك المنظمات الأميركية والدولية المعنية بالحريات وحقوق الإنسان، والتي ندّدت بحدوث انتهاكات ضد المحتجين في الجامعات الأميركية، ومنها منظمة هيومن رايتس ووتش واتحاد الحريات المدنية الأميركي ومنظمة “فلسطين القانونية.

 

وفي الجانب الأوروبي تؤكد التقارير الصادرة عن جهات مستقلة، اتخاذ إجراءات ضد أي تحرك مؤيد للفلسطينيين ورافض لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل، فبين أكتوبر 2022 وأكتوبر2023، أحصى المركز الأوروبي للدعم القانوني في هولندا 310 أعمال قمعية في حق تظاهرات أو شخصيات مؤيدة للفلسطينيين، راوحت بين إجراءات قضائية ومضايقات وإلغاء فعاليات.

 

إن انتقال الحراك الجامعي وتوسعه من الولايات المتحدة الأميركية نحو عدد من الدول الأوروبية وتحديداً فرنسا، يعيد ذكرى العام 1968 حينما اندلعتِ احتجاجات طلابية في أمريكا اعتراضًا على الحرب الأمريكية في فيتنام، وسرعان ما انتقلت حينها إلى فرنسا، حيث انطلقت المظاهرات الطلابية في جامعة السوربون الأقدم والأشهر والأكبر في البلاد، رفضاً للاستغلال الرأسمالي، والقيم الاستهلاكية، والتوجهات الحكومية المعادية للطبقات الشعبية والعمالية.

 

إن المطالب التي رفعها الطلاب المحتجون لوقف الحرب على غزة وقطع التعاون بين جامعات بلادهم وإسرائيل، لها مفعول وتأثير كبيرين، سيما بعدما بدأت عمليات التفاوض بين إدارات الجامعات والطلاب، وخصوصاً البند المتعلق بوقف كل أنواع الاستثمارات بين الجامعة وإسرائيل، وهنا تحديدًا ما يُريده طلاب جامعة كولومبيا.

 

هذا يعني، في حال تحقق وقف استفادة الكيان الصهيوني من كل الدراسات والتقنيات التسليحية والتكنولوجية التي تقوم بها الجامعة.

 

كما أن حراك الجامعات يؤكد وجود لوبي فلسطيني – عربي ناشط في أميركا والغرب، ويعمل بطريقة محترفة وذكية، مستفيدًا من وسائل التواصل الحديثة، وهو الذي هيأ الأرضية لهذا الحراك ونظمه لكي يصل إلى هنا.

 

في الخلاصة والأهم أن نتائج هذا الحراك ستترك أثراً مهماً وكبيراً على مستقبل العالم وأسلوب إدارته خلال السنوات المقبلة، سيما وأن هذا الجيل من الشباب الجامعي هو من الناخبين حالياً وسيكون من القيادات والمسؤولين في المستقبل، وبالتالي فإن  النظرة التي ستحكم العالم يُفترض أن تتغير وخصوصاً في التعامل مع القضية الفلسطينية وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

شاهد أيضاً