ليس من الصعب على أي مُراقب للأحداث التي حصلت في لبنان منذ بدء عملية مساندة طوفان الأقصى في الثامن من تشرين أول عام 2023، ونتائجها على غزة ولبنان. أن يدرك الأزمة التي يعيشها العدد الأغلب من الطائفة الشيعية والمتمثلة في حركة أمل وحزب الله.
فالشيعة في لبنان ينطلقون من أيديولوجيا ذات معتقدات وأفكار ثابتة أساسها ديني، لا يمكن أن تتغير أو تتطور، وتحكم هذه الأيديولوجيا السلوك الجمعي لهذه الطائفة في القضايا المختلفة المحلية والإقليمية والدينية، وأوصلتها إلى أزمة بسبب قصورها عن تحقيق الأهداف الداخلية والخارجية التي كان يتم الإعلان عنها في وسائل الإعلام والمقابلات والإحتفالات في مناسبات مختلفة، بسبب تناقض السلوك المتبع حيالها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
على الصعيد الداخلي:
مكافحة الفساد، ومحاربة القضاء في نفس الوقت.
بناء دولة قوية، وإعتماد المحاصصة والزبائنية السياسية.
الوحدة الوطنية، والتمسك بحق الخلافة الديني التاريخي.
السيادة الوطنية، واتباع إرشادات دول خارجية.
دعم الجيش، ومنع تحركاته قبل التنسيق والإحتفاظ بالسلاح.
المواطنية، وتكفير وتخوين المعارضين للمقاومة، ومن لديه رأي مخالف.
وحدة الدولة، وبناء مؤسسات رديفة.
سنعيدها أجمل مما كانت، والدولة هي المسؤولة عن إعادة الإعمار.
حماية لبنان، والقيام بحرب وضعته تحت الوصاية الدولية.
السلاح لحماية المدنيين، ووضع مخازن الأسلحة في ملاجىء البنايات تحت السكان الآمنين.
على الصعيد الأقليمي:
إحتلال مستوطنات الجليل الأعلى.
تدمير منطقة غوشدان.
تفجير خزّانات البتروكميائية في اسرائيل.
سقوط وتفكك اسرائيل قبل بلوعها ثمانين عاماً.
منع اسرائيل من تدمير غزة.
جهوزية المحور لتدمير اسرائيل.
تغيير الأنظمة العربية (العميلة)، وتصدير نهج المقاومة والثورة.
منع اسرائيل من استغلال الغاز في البحر الأبيض المتوسط.
كل هذه الأهداف وغيرها لم يتحقق منها شيئاً، وسقطت عند بدء المعركة، فهُدهد التي جمعت معلومات عن المرفولوجيا الإجتماعية في اسرئيل والتموضع العسكري، لم تستطع إكتشاف الخرق الأمني الكبير لصفوف المقاومة وللإتصالات والمراكز. حيث كانت اسرائيل تستثمر في الذكاء الإصطناعي، كانت القيادة الدينية المتسلطة للمقاومة تستثمر في إنشاء المراكز والمدارس الدينية التي تربي الأجيال على الأيديولوجيا والتمسك بها، وتزرع في رؤوس جماهيرها أفكار قِيمية، بأنهم أكثر شرفاً من مكونات المجتمع الأخرى، فقط لأنهم جاهزون للإستشهاد من أجل وطنهم، وإتباعهم توجيهات المرجعيات الدينية.
إن المبالغة بالإتكال على الغيب، وتدخل جنود المهدي لمساندة المجاهدين وتسديد ضرباتهم، والتمني أن يرسل الله لطيور أبابيل ترمي العدو بحجارة من سجيّل كما حدث لمن أرادوا هدم الكعبة الشريفة، هي مجرد أفكار لشحذ الهمم عند الشباب ودفعهم الى الإستشهاد، لأنها لم ولن تحدث في الواقع، منذ وفاة النبي. وهذه أشياء تعتبر من المحرمات والمسلمات التي يُمنع النقاش فيها لأنها مقدسة.
هذه الأهداف والأفكار التي لا تخضع للتفكير العقلاني ولا يمكن إختبارها بحسب أفكار علماء الإجتماع مثل أوغست كونت وماكس فيبر، أدّت الى فشل هذه التجربة، وتسببت بأزمة لقسم كبير من اللبنانيين وخاصة عند الطائفة الشيعية التي لحق بمجتمعها تدمير كبير، دفعَها عشرات السنين الى الوراء في الزمن، وأعطى فرصة للعدو للتقدم والتفوق أكثر فأكثر.
هذا جزء من الواقع الذي يطول شرحه، ولكن السؤال الطبيعي كيف يمكن الخروج من هذه الأزمة؟
لا بد لمعالجة هذه الأزمة من البحث عن حلول، ومنها:
الإعتراف بأن كل الأفكار والشعارات السابقة كانت خاطئة ولم تخدم لبنان ولا الطائفة الشيعية.
ترك الدولة تقوم بتحقيقاتها لمحاسبة الخونة والتعاون معها في هذا المجال وعدم الخوف مما سيدلوُن به من معلومات.
إبعاد كل المسؤولين السياسيين والقادة العسكريين السابقين، لفقدان الثقة بهم.
تفعيل مطالبة الدولة بحماية لبنان وعدم السكوت عن أي تقصير من قبل القوى الأمنية بالوسائل المختلفة، سياسية، شعبية، إعلامية.
الحوار مع السلطات السياسية والمكونات الأخرى لإقرار الدولة العلمانية أو الدولة المدنية.
عقد مؤتمر عام للطائفة الشيعية لمناقشة موقعها في النظام السياسي اللبناني، يضع حدوداً واضحة لسلطة المرجعيات الشيعية في الخارج تقف عند حد خرق السيادة اللبنانية.
تقبل التنوع الثقافي في لبنان على أساس المواطنية.
تعديل الخطاب السياسي الداخلي والإقليمي والدولي، بما يتلاقى مع سياسسة الدولة.
العمل على إنتاج نخب سياسية شابة قادرة على صياغة أفكار تساعد على الإندماج في المجتمع اللبناني.
الإعتراف بحصرية حق الدولة بإحتكار السلطة والقوة الشرعية، وتسليم السلاح ضمن خطة للأمن القومي.
التشديد على التقيد بالنظام العام واحترام الأملاك العامة، وتفعيل دور المؤسسات الحكومية، وعدم حماية المخالفين.
تطبيق إتفاق الطائف كاملاً، والعمل على تطويره أو تعديله.