حارب العرب إلى جانب بريطانيا في الحرب العالمية الأولى ضد الدولة العثمانية التي كانوا يعيشون في كنفها، ورغم ذلك صفعتهم بوعد بلفور، ثم بقمع شرس لثوراتهم المختلفة وخاصة ثورة 1936 والتي نفي فيها قادة فلسطين لجزر سيشل، وأعدم نخبة الشباب، وقتل 5000 فلسطيني، واجتيحت القرى والمدن، واستقدم المهندس الشرطي تشارلس تيغارت ليعيد هيكلة جهاز الشرطة، ومع ذلك ظل العرب مؤمنين بإمكانية إيجاد طريق للعمل المشترك، وهكذا بعث الملوك العرب في ثورة 1936 رسالة للفلسطينيين يطلبون منهم وقفهم إضرابهم لأن “صديقتهم بريطانيا” لن تخذلهم، وحتى في عام 1948 لم تدخل الجيوش العربية أرض فلسطين لمساعدة الفلسطينيين سوى حين غادر آخر جندي بريطاني أرض فلسطين في 15 أيار 1948، حين كانت فلسطين قد احتلت، “واسرائيل” قد أعلنت، والقدس وحيفا ويافا وعكا وطبريا كلها قد سقطت.
على الجهة الأخرى ناصرت بريطانيا المشروع الصهيوني، قاتلت من أجله، عينت الصهيوني هربرت صموئيل مندوباً سامياً لفلسطين، اعترفت بالوكالة اليهودية كممثل للشعب اليهودي، اعترفت باللغة العبرية كلغة رسمية في فلسطين، سمحت بنشاطات التنظيم السياسي والعسكري، ودربت قوات الهاجاناة، ومنحت الحركة الصهيونية كل التسهيلات لإنشاء نظام إقتصادي مستقل فسهلت إنشاء الجامعة العبرية، وشركة ايجاد للمواصلات، وروتبرغ للكهرباء، وحتى في العام 1948 سهلت للحركة الصهيونية دورها في تسلم مقارها، وسهلت تهجير الفلسطينيين كما حدث في طبريا وحيفا. ومع ذلك صفعت الحركة الصهيونية بريطانيا في مؤتمر بلتمور عام 1942 واعتبرت كل ما فعلته بريطانيا غير كافٍ وهاجمت مقراتها بعدها.
هذه مساحة للتفكير من جديد كيف تبنى العلاقات الدولية وكيف تتشكل الأحلاف، فلا مكان لعدالة القضية وخطابات حقوق الإنسان بقدر المصالح التي تعيد تشكل كل العلاقات دوماً، كان للحركة الصهيونية ثقل إقتصادي وتنظيم ممنهج ساهم في منحها أدوات ضغط على المنظومة الدولية والتأثير عليها. في حين لم يمتلك الفلسطينيون شيئاً حينها. ويظل السؤال حاضراً، لم يختلف الماضي عن الحاضر: أي الأدوات يملكها الفلسطينيون اليوم للضغط على العالم من أجل تحقيق مصالحهم؟ هي مساحة للتأمل.
(في الصورة مجموعة من القيادة الفلسطينية المنتخبة والتي لم تعترف بها بريطانيا كممثل للشعب الفلسطيني، في زيارتهم إلى لندن لايصال صوتهم الذي لم يسمعه أحد)
المصدر: موقع خزائن