وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن خفايا التفاوض حول هدنة في قطاع غزة، عبر برنامج فكاهي اختاره ليقدم شحنة تفاؤل بخصوص “وقف القتال في غزة خلال رمضان”.
كما وصف بايدن كثيرًا من خفايا الحرب برمتها، إذ إنه في الوقت ذاته يتحدث عن أن لدى إسرائيل قدرة على إفراغ أجزاء كبيرة من مدينة رفح، ولا يمانع في تسمية ذلك بـ”عملية عسكرية”.
ما قاله بايدن عبر البرنامج الفكاهي، عاد ليكون محور مشروع قرار ستقدمه واشنطن عبر مجلس الأمن.
واشنطن التي سبق ورفعت “الفيتو” في وجه مشاريع قرارات لوقف إطلاق النار في غزة، تستعد لتقديم مشروع جديد بهذا الخصوص، أبرز ما كان يحتويه هو أن تكون تلك الهدنة “مؤقتة”، قبل أن تجري الإدارة الأمريكية تعديلًا على النص المقترح وتستبدل الوصف.
الصيغة المعدلة من المشروع الأمريكي تتضمن دعم واشنطن “وقفًا فوريًا لإطلاق النار لمدة ستة أسابيع تقريبًا في غزة والإفراج عن جميع الرهائن”، حسب ما ذكرت وكالة “رويترز”.
وكانت الولايات المتحدة اعترضت على 3 مشاريع قرارات يطالب اثنان منها بوقف “فوري” لإطلاق النار.
انفراج.. لا انفراج
يأتي ذلك بينما تتواصل المفاوضات حول الهدنة، وهي مفاوضات لم تسفر عن أي نتيجة حتى الآن، رغم التفاؤل، وهو ما يعكس تضارب التصريحات بين “فشل المفاوضات”، أو الحديث عن “تقدم حقيقي” فيها، مع تأكيدات حول ضرورة التوصل لهدنة قبل رمضان.
فما الذي يعيق الوصول إلى هدنة بين إسرائيل وحركة حماس؟
لم تخرج إلى العلن حتى اليوم جميع تفاصيل التفاوض، إلا أن الجانبين تحدثا عن النقاط التي ما زالت عالقة، والتي يسعى كل طرف إلى فرضها على الآخر، وسط دخان المعارك الذي يقول إن المفاوضات الحقيقية هي تلك التي تجري على الأرض، وإن ما تشهده طاولات التفاوض ليس أكثر من تكثيف لما يجري في الميدان من واقع يفرضه من يمتلك الأوراق الأقوى.
وإن كان ملف الرهائن والأسرى، هو أبرز ما تتمحور حوله المفاوضات، إلا أنه ليس الأهم، حسبما أعلنت حماس، إذ سبق لمسؤول فيها أن قال إن العقبة الأساسية تتمثل في “ملف عودة النازحين إلى مناطق غزة وشمالها”.
كما وصف إعلام عبري التفاوض حول العودة إلى شمالي القطاع المدمر، الذي هجّرت الحرب معظم سكانه، بأنه “أكثر إشكالية من ملف الأسرى”.
وبدت إسرائيل ماضية في هذا الملف رغم كل تداعياته، وحاولت بقوة إفراغ شمالي القطاع، ليس من حماس فقط، بل من أي وجود فلسطيني، ودفعت السكان بكل الطرق للهجرة جنوبًا.
وقبل أيام، نقلت وكالات أنباء عن مصادر أمنية قولها إن إتمام مفاوضات الهدنة ما زال مرهونًا بانسحاب القوات الإسرائيلية من شمالي غزة، وعودة المهجرين إليه.
ملف الأسرى والرهائن
الملف الآخر في مفاوضات الهدنة، هو الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل، مقابل الرهائن الذين تحتجزهم حركة حماس، فإسرائيل تطلب قائمة بأسماء المختطفين، فيما تشترط حماس وقفًا لإطلاق النار مقابل ذلك.
ولا تتنازل حماس في هذا الملف قيد أنملة، باعتباره ورقة الضغط شبه الوحيدة التي تمتلكها الحركة في الميدان، وإلى طاولات التفاوض، رغم أن إسرائيل ومنذ الأيام الأولى للحرب، أعلنت بوضوح أن حربها مستمرة حتى لو كان ضحيتها المختطفون.
ومع الأولوية القصوى لهذين الملفين، يبدو ملف إدخال المساعدات إلى القطاع مسألة إجرائية، أكثر من كونه محور تفاوض رئيسي، إذ إن أي اتفاق سيتضمن بشكل تلقائي إدخال المساعدات، حتى لو كانت محدودة.
ويبقى الخلاف حول أمد الهدنة قائمًا، فمحور التفاوض يقوم على هدنة إما مؤقتة أو دائمة.
وشهدت حرب غزة منذ انطلاقها قبل أكثر من 5 أشهر، تجربتي هدنة، انتهت كل منهما بتسليم عدد من الرهائن الإسرائيليين، مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين وإدخال محدود للمساعدات الإنسانية إلى القطاع، ثم عاد القصف الشامل في القطاع، رغم كل التوقعات والمساعي بأن تتحول الهدنة إلى دائمة.
وكانت معظم التقديرات تذهب إلى أنه ليس لدى إسرائيل أي هدف من الهدنة سوى استعادة أكبر قدر من الرهائن، كي تنزع ورقة الضغط من يد حماس، وتخفف في الوقت ذاته ضغطًا داخليًا متناميًا ضد الحكومة الإسرائيلية.
هو تفاوض لنزع آخر أوراق القوة.. اعتقاد يعززه ما يجري في القطاع من قتل لم تشهد له العقود السابقة مثيلًا، وحين كانت أطراف التفاوض تناقش في تفاصيل الهدنة، ارتكبت إسرائيل ما وصفت بمجزرة الطحين، حين استهدفت مجموعة مدنيين كانوا يسعون للحصول على مساعدات وسط حالة جوع حقيقية يعيشها سكان القطاع.
لم تُعلق المفاوضات، وكل ما جرى أن المجزرة قوبلت بتنديد دولي، بينما هددت حماس بأنها ستنسحب من المفاوضات، إن تكررت مجزرة مشابهة.
