لا يخفى على أحد أن شعبنا الفلسطيني عاطفي بطبعه، وفي كثير من الأحيان، كانت العاطفة سبب وقوعنا في فخ الشعارات الزائفة والتعبئة الشعبوية التي لعبت دوراً كبيراً في صعود حركات الإسلام السياسي وتأثيرها على وعي الشباب بشكل خاص. هذا التأثير تراكمت عليه عوامل عديدة جعلت من السهل على هذه الحركات أن تستغل الحماسة الوطنية وتوجهها نحو أهداف وأجندات قد لا تكون بالضرورة متوافقة مع مصلحة الوطن العليا؛ لذلك تراجع الخطاب الوطني العقلاني لصالح خطاب التخوين والتقسيم. هذا الخطاب الذي لا يراعي المصلحة الوطنية ولا يضع نصب عينيه مستقبل الأجيال القادمة.
وبعد ما حدث في السابع من أكتوبر أصبح لسان حال الشباب الفلسطيني في غزة، أو من تبقى منهم، يعبر عن خيبة أمل كبيرة تجاه القوى الإسلامية ومشاريعها التي لم تكن واضحة المعالم. هل هي فعلاً تسعى للتحرير الوطني؟ أم هي مجرد امتداد لمشاريع خارجية لا علاقة لها بقضية فلسطين؟ إن ما حدث من انحسار لإيمان الشباب بالقوى الإسلامية هو نتيجة طبيعية لسنوات من الضياع والتضليل، وغياب الرؤية الوطنية الحقيقية، التي كانت في يوم من الأيام تمثل قاطرة النضال الفلسطيني. ومع هذا الخراب الكبير الذي يهدد وجودنا الوطني والإنساني، لا يمكننا الاستمرار في التردد أو التغافل عن ضرورة استعادة البوصلة الوطنية للأجيال الجديدة.
هنا تأتي مسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية في هذا السياق. إن هذه اللحظة التاريخية التي نعيشها تستدعي من قيادة المنظمة أن تتحمل مسؤوليتها الوطنية بشكل جاد. فالشباب الفلسطيني، الذي عاش سنوات من التهميش والضياع وسط صراع داخلي مستمر، يحتاج إلى رؤية واضحة وبرنامج عمل حقيقي يعيد له الأمل ويضيء له الطريق. يجب أن تكون منظمة التحرير هي المظلة التي تجمع تحتها الطاقات الشابة واستثمارها وطنياً، وأن تقدم إجابات واضحة لتساؤلات الشباب الفلسطيني، وتضع حداً للضبابية التي يحيط بها الخطاب السياسي اليوم. الوقت ليس في صالحنا، والشعب الفلسطيني في غزة، يواجه أخطار وجودية هائلة. فالوضع الحالي لا يحتمل المزيد من الفوضى الفكرية والتخبط السياسي. لذا، على منظمة التحرير أن تتحرك سريعاً لوضع خطة عملية عاجلة تهدف إلى تعبئة الشباب فكرياً وثقافياً، لإعادة إحياء العقيدة الوطنية النقية في وجدانهم، وأن تكون هناك استراتيجية واضحة لتمكينهم من فهم حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم في هذه المرحلة الحساسة والمستقبل القريب.
لا شك أن حركة فتح، باعتبارها في موقع قيادة منظمة التحرير، تتحمل مسؤولية كبيرة في هذا الإطار، فإعادة صياغة وعي الشباب الفلسطيني بالمشروع الوطني يتطلب خطوات عملية، يجب على فتح أن تأخذ زمام المبادرة وتعمل على توجيه الطاقات الشبابية نحو البناء الوطني، فالشباب الفلسطيني في غزة هم رأس الحربة في المعركة القادمة، وهم الذين سيحددون ملامح المستقبل، فهل نحن جاهزون لتوجيههم نحو هذا المستقبل أم أن الأمل فيهم سيضيع في مهب الريح؟
إن العقيدة الوطنية النقية، كما كانت في الماضي، يجب أن تكون حاضرة في وجدان الجيل الجديد. ويجب أن نفهم أن هذا الجيل يحتاج إلى إشارات واضحة لا إلى ارتباك في المواقف، وعلى منظمة التحرير أن تكون هي الحاضنة الحقيقية لهذا الوعي، وأن تعيد تحديد الأولويات بناءً على مصلحة الشعب الفلسطيني العليا. إذا لم نفعل ذلك، فإننا سنظل في دوامة من الهزائم المتتالية، ولن نتمكن من إنقاذ ما تبقى لنا من مشروع وطني أمام تغول الاحتلال وأدواته والفلتان والفوضى.
هامش: لن تكون هناك فرصة ثانية لوضع الأمور في نصابها، لإن شباب غزة بخاصة، والفلسطينيين بعامة على مفترق طرق، إما أن نكون على قدر المسؤولية ونعيد البوصلة إلى الطريق الصحيح، أو أن نتركهم فريسة للأجندات المتناحرة التي لا ترى إلا مصالحها الخاصة.