قنوات اتصال حماس السرية مع الولايات المتحدة

حميد قرمان

سرت التصورات والاستشرافات السياسية بقدوم الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وما سينتج عنه من دبلوماسية غير منضبطة بشطحات سياسية تسعى لخلق تأزيم وتعقيد على الساحة الدولية للوصول إلى حلول تتناسب مع فوضوية العقلية الترامبية التي ترى في الأزمات فرصة نحو عقد صفقات اقتصادية.

منذ يومه الأول في البيت الأبيض، بل وقبل وصوله، سعى الرئيس دونالد ترامب لتسويق مقاربات سياسية غير متوازنة مع طبيعة ملفات الصراعات في مناطق مختلفة من العالم. لذلك كان جليا وجود خطين في السياسات الأميركية مع قدوم الإدارة الجديدة: خط يعتمد على التصعيد السياسي الإعلامي الحاد بطرحه ومفرداته، وخط يعتمد في الغرف المغلقة على جني مكاسب دبلوماسية واقتصادية وفقا لرؤية واقعية مشتركة بين أطراف الصراع.

في ملف الحرب الروسية – الأوكرانية كان هناك التصعيد السياسي الإعلامي، وكانت هناك طاولة المفاوضات التي احتضنتها العاصمة السعودية الرياض، في دلالة على مكانتها وقدرتها على جلب إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى مقاربات سياسية واقعية تحقق الاستقرار في مناطق الصراع.

خطوات المملكة العربية السعودية الدبلوماسية في العديد من الملفات الإقليمية والدولية تجلت من خلال دعمها لجمهورية مصر والمملكة الأردنية الهاشمية في تثبيت مواقفهما أمام الهوجائية الترامبية، وقيادة موقف عربي موحد قادر على تحقيق السلم والأمن في المنطقة، والتي جعلت الرئيس ترامب يعدّل عن خطته بشأن قطاع غزة، ويخفف من وطأة حدة تصريحاته، مستدركا تعقيدات القضية الفلسطينية وارتباطها العميق بالأمن القومي العربي.

الجهود الدبلوماسية العربية، وما نتج عنها من الخطة المصرية لإعمار القطاع، التي من المزمع اعتمادها من القمة العربية في بداية الشهر القادم، لن تسير في طريق معبد دون عوائق سياسية ستحاول زرعها إسرائيل أو حركة حماس ومن خلفها إيران للحفاظ على الواقع المرير الذي ما زال يلقي بظلاله على قطاع غزة والمنطقة.

إسرائيل تريد حماس في الحد الأدنى من قوتها في القطاع، للهروب من استحقاقات العملية السلمية التي يضغط من أجلها العرب والمجتمع الدولي للوصول إلى مسار سياسي وزمني يحقق حل الدولتين. لذلك يحتاج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إعادة إنتاج مقاربته بإبقاء حماس في المشهد الغزّي، لاستمرار ذريعة تهربه السياسي من إعطاء الفلسطينيين حقوقهم من خلال تعزيز الانقسام الفلسطيني كما فعل قبل السابع من أكتوبر بتمكين واستثمار وجود الحركة في غزة، وهو ما سيحققه “نتنياهو ويمينه الحاكم” اليوم بمقاييس النتائج على الأرض، لاستكمال تملصه السياسي لتنفيذ مخططاته بتدمير القطاع وتهجير سكانه.

في المقابل ترى حماس وبعض حلفائها الإقليميين أن أيّ خطة عربية موحدة في القطاع تعني تجاوز الحركة وإضعافها، وإنهاء حكمها في غزة، وهو ما تسرّب من مواقف مصرية حازمة بضرورة تخلّي الحركة عن حكمها للقطاع. على إثره، تتحرك حماس اليوم عبر تيارها الإخواني، بقيادة خالد مشعل وموسى أبومرزوق، لفتح قنوات اتصال سرية مع الولايات المتحدة تفضي إلى طرح جديد يتيح للحركة الاستمرار في مستقبل القطاع والقضية الفلسطينية، في تقاطع مع مصالح إسرائيلية أصبحت ترى في بقاء الحركة بالقطاع ملجأ للتخلص من الضغوط الدولية والعربية بالوصول إلى سلام شامل.

الاتصال والتواصل مع حركات وميليشيات وأنظمة سياسية ليسا بعيدين عن قاموس الولايات المتحدة السياسي، فواشنطن عقدت مؤخرا تفاهمات غير معلنة مع الحوثيين في اليمن، قائمة على خفض التصعيد في البحر الأحمر ووقف الهجمات الصاروخية على إسرائيل، في إطار مفاوضات سياسية أشمل تقوم بها طهران مع دوائر القرار في واشنطن، في محاولة وقف النزيف الذي أصاب مشروعها التوسعي، وحماية لبعض ميليشياتها في بعض الدول العربية، وخوفا من ضربة إسرائيلية لمنشآتها النووية يسمح بها الرئيس الأميركي ترامب.

وبالعودة إلى حماس التي تدرك أنها لن تجني من ورقة الرهائن مكاسب سياسية في ظل تعنت دولي وعربي بتجاوزها في مستقبل القطاع، أعلنت الحركة موافقتها على تسليم كافة الرهائن الأحياء المتبقين لديها في إطار المرحلة الثانية من اتفاق التهدئة، في محاولة لمغازلة إدارة ترامب، وتقديم أوراق اعتماد جديد بإيعاز قطري، تتناغم مع التحركات الإيرانية وأذرعها في المنطقة تجاه واشنطن وإدارتها الترامبية.

حماس وطهران تدركان أن جهود الدبلوماسية العربية الموحدة الدافعة إلى إقامة الدولة الفلسطينية هي المسمار الأخير في نعش مشروعهما في المنطقة، خاصة في ظل حالة الضعف التي أصابت أذرع المحور الإيراني كافة. أما إسرائيل بنيامين نتنياهو فتنظر إلى هذه الجهود بعين القلق تجاه عدم استكمال تنفيذ مخططاتها بعنوانها العريض: تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وإنهاء ذريعة أساسية في تهربها المستمر من الوصول إلى السلام واستحقاقاته.

مجددا، سعْي حماس لفتح قنوات اتصال سرية مع إدارة ترامب يأتي منسجما مع توجه طهران وأذرعها نحو تحقيق تفاهمات سياسية مع واشنطن، وهو ما تسعى إسرائيل لتوظيفه كمصلحة لإبقاء هامش مناورة تتهرب من خلاله، وتراوغ به بعيدا عن رؤية جهود الدبلوماسية العربية الساعية إلى إيجاد حل سياسي واقعي للصراع في المنطقة، حيث تدرك تل أبيب أن انتهاء عصر الميليشيات في المنطقة سيجبرها على الذهاب نحو تحقيق حل الدولتين كثمن محق للاستقرار والتعايش المشترك في المنطقة.

عن العرب اللندنية

تابعنا عبر: