ماذا تفعل الولايات المتحدة في شرق الفرات؟

ينتشر في شرق الفرات حوالي 900 جندي أمريكي يتوزعون على 6 مراكز عسكرية تمتد من الحدود العراقية السورية عند معبر “البوكمال” حتى قاعدة “الرميلان” في أقصى الشمال -شرق -السوري وتنتشر تلك المراكز قرب الحقول النفطية السورية مثل حقل “العمر” و”الشدادي”.

تعمل الولايات المتحدة في سوريا منذ عام 2015 تحت اسم “عملية العزم الصلب” التي تهدف إلى محاربة وهزيمة “تنظيم داعش”، ودعم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الحليف الرئيسي للقوات الأمريكية في منطقة شرق الفرات.

تشكل منطقة شرق الفرات أكثر من ثلث مساحة سوريا. تتواجد فيها حالياً قوات أجنبية تركية وأمريكية، تحدها من الشمال تركيا التي تتواجد قواتها العسكرية مباشرة على جزء من الجهة الشمالية بين منطقة تل أبيض ورأس العين. يحدها من الشرق العراق وينتشر على تلك الحدود الجيش العراقي وقوات من الحشد الشعبي العراقي. تسيطر قوات الجيش السوري من جهة الجنوب والغرب تؤازره قوات روسية وبعض المستشارين العسكريين الإيرانيين.

ترتبط المنطقة جغرافياً مع إقليم كردستان في العراق من خلال معبر”سيمالكا” وهو معبر ضيق تم افتتاحه عام 2013. تعكس تلك الحدود الأهمية الجيوبولوتيكية لشرق الفرات ويظهر كونه القلب البري لمنطقة أوسع تشمل الأناضول والعراق وبلاد الشام.

تسمى أيضاً منطقة شرق الفرات بالجزيرة السورية لوقوعها بين نهري دجلة والفرات وتضم عددا من الأنهار التي ترفد بمعظمها نهر الفرات. تحتوي المنطقة على عدد من السدود المائية التي تؤمن كمية وافرة من الكهربا والطاقة للدولة السورية.

تضم الجزيرة السورية عددًا من السهول الواسعة التي ترفد الدولة السورية بحاجاتها الأساسية من القمح والقطن اللذين يُستخدمان سواء للاستهلاك المحلي أو للتصدير الخارجي.

تحتوي المنطقة على حوالي 90% من ثروة سوريا النفطية، و50% من الثروة الغازية. تسيطر الولايات المتحدة على كل ذلك وتمنع الدولة السورية من الاستفادة منه.

تعاقب على المنطقة عدد من الحضارات الإنسانية امتداداً من الحضارة الآشورية والحثية وصولاً إلى الحضارة الرومانية والفارسية والحضارة العربية-الإسلامية وحكمها العثمانيون ثم الفرنسيون.

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على إدارة شرق الفرات بمشاركة العشائر العربية في المنطقة وهي مدعومة من الولايات المتحدة. أي إن القوات الأمريكية تسيطر من خلال “قسد” وتواجدها المباشر على ثلث مساحة سوريا ولكن ما الذي يدفع الولايات المتحدة للتواجد العسكري في شرق الفرات.

 

تقويض الدولة السورية

 

تمثل سوريا المساحة الجغرافية الوسطى ضمن مناطق التصادم بين القوى البرية والقوى البحرية في العالم والسيطرة عليها أو تحييدها هدف دائم للولايات المتحدة الأمريكية وتؤدي “دولة إسرائيل” دوراً رئيسياً في إضعاف الجغرافيا السورية عبر احتلالها مرتفعات الجولان وسلخها عنها بدعم أمريكي واضح.

 

تعرضت سوريا منذ عام 2011 إلى تدخل أمريكي قاسٍ وخبيث ما زلنا نشهد تداعياته على تطور المجتمعات والبيئة المحلية السورية. فرضت الولايات المتحدة على سوريا عقوبات اقتصادية تمثلت في قانون “قيصر” الذي يهدف إلى إعاقة الدولة وشل قدراتها من أجل تقويضها وضرب بنيتها السياسية والتنظيمية وتفكيكها وإنهاء دروها الإقليمي، وأكملت ذلك بالتدخل العسكري المباشر وبناء قواعد عسكرية على أراضي الدولة السورية من دون موافقتها مستغلة قوتها الدولية وسيطرتها على المؤسسات الدولية وتحكمها بحركة التبادل التجاري.

 

الصراع مع روسيا

 

أثناء الحرب الباردة مثلت سوريا حليفاً قوياً للاتحاد السوفياتي وحلف “وارسو” في مواجهة الولايات المتحدة وحلف “الناتو”. عادت سوريا لتجدد علاقتها الاستراتيجية مع روسيا بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي، وأعادت روسيا منذ عام 2008 بناء قاعدة عسكرية بحرية روسية في ميناء طرطوس وهي استمرار للقاعدة العسكرية السوفياتية البحرية نفسها عام 1971 وتشكل هذه القاعدة الآن النافذة البحرية الروسية الوحيدة على البحر الأبيض المتوسط.

 

اندلعت الأحداث في سوريا منذ عام 2011 وكانت الولايات المتحدة تتحكم بمجرى الأمور والتطورات وحاولت فرض إرادتها السياسية على التركيبة السياسية للدولة السورية ولكنها لم تتمكن من تحقيق ذلك بفعل عوامل محلية وأخرى إقليمية ودولية تمثلت عبر التدخل العسكري الروسي المباشر منذ أيلول/سبتمبر 2015 فأعادت الزخم والقوة للدولة السورية التي تمكنت من استعادة المبادرة وتثبيت قوة الدولة والجيش السوري، وأدى ذلك إلى إخفاق المشروع السياسي الأمريكي اتجاه سوريا، فاندفعت الولايات المتحدة إلى التدخل العسكري المباشر في تشرين الأول/أكتوبر 2015، أي إنه في نفس الفترة التي تدخلت فيها القوات الروسية، وكانت تهدف من وراء ذلك إلى منع روسيا من تحقيق نصر حاسم في سوريا، ومنعها أيضاً من التحكم بمصير التسوية والعملية السياسية السورية، واختارت منطقة شرق الفرات لما لها من تأثير على مصير الدولة السورية الاقتصادي والسياسي.

 

الصراع مع إيران

 

تخوض إيران صراعاً مفتوحاً مع الولايات المتحدة الأمريكية، في المقابل تشكل حلفاً استراتيجيًّا مع سوريا حيث يتواجد المستشارون العسكريون الإيرانيون إلى جانب الجيش العربي السوري بشكل مستمر منذ بداية الاضطرابات عام 2011. يشمل الصراع الأمريكي-الإيراني كل جغرافيا الشرق الأوسط من أفغانستان حتى تركيا ويضم سوريا والعراق ولبنان بشكل مباشر وهو صراع جذري يتعلق بالكيان الصهيوني وبقائه في المنطقة وبمفهوم الأمن الإقليمي الذي يشمل منطقة الخليج العربي.

 

تهدف الولايات المتحدة من التواجد العسكري المباشر في شرق الفرات بالإضافة إلى التواجد في “التنف” الذي يشكل نقطة تقاطع بين سوريا ، والعراق، والأردن إلى الإشراف والرقابة على حركة المعابر التي تربط العراق وسوريا، ومنع سوريا من تلقي أي دعم عسكري إيراني بري، أي إن الوجود العسكري الأمريكي هو لفصل إيران عن سوريا ومنعها من التواجد على شواطئ البحر الأبيض المتوسط وقطع التواصل البري بين إيران العراق وسوريا ولبنان والذي تخشاه واشنطن من أن يؤدي هذا التواصل إلى إنشاء قوة إقليمية تغير التوازن الإقليمي القائم وتلحق الضرر بكل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.

 

تركيا والسياسة الأمريكية

 

يمثل شرق الفرات البوابة التركية الكبرى نحو العالم العربي وسيطرة الأكراد على  كامل المنطقة ومحاولة بناء دولة كردية تمتد على مساحة كردستان في العراق ووصلها مع شرق الفرات عبر معبر “سيمالكا” سيدفع السياسة التركية إلى الاختناق وخلق توترات أمنية وعدم استقرار من جهة الجنوب. وهي عملية لها تداعيات خطيرة على الأمن القومي التركي بفعل الإمكانية القائمة من التواصل السياسي والأمني بين الأكراد في سوريا والعراق والأكراد في تركيا. وتحكّم الولايات المتحدة بالورقة الكردية يبقي تركيا ضمن السياسة الغربية في المنطقة وتضمن للولايات المتحدة وجود قواعدها العسكرية على أراضيها وتقيد السياسة التركية من الاندفاع نحو روسيا والتمايز عن سياسة حلف شمال الأطلسي.
إنَّ الاستراتيجية الأمريكية في تقويض الأنظمة السياسية المعادية لها ما زالت قائمة وما زالت تعمل وفقها على الجغرافيا السورية. تمسك الولايات المتحدة بالجغرافيا الرئيسية التي تحكم الاقتصاد والمستقبل السوري. لا تتوانى الولايات المتحدة عن التدخل العسكري المباشر في أي منطقة في العالم من أجل الحفاظ على مصالحها السياسية وتوازناتها الإقليمية ولا تكترث في سبيل ذلك إلى رغبة الشعوب وتطلعاتها. تتحالف الولايات المتحدة مع أطراف متصارعة عسكرياً وتقدم المساعدات لكليهما مثل الأكراد والأتراك في عملية تختصر الدهاء والنفاق السياسي، والخاسر في هذه العملية السياسية هم الأكراد والأتراك الذين يتقاتلون بالسلاح الأمريكي.

الهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو السيطرة والهيمنة واستخدام القوة العسكرية عندما تفشل في أدواتها القيمية كالديقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان وتدعم قوى عسكرية تهدف إلى نشر الفوضى في مختلف دول العالم ومنها سوريا والعالم العربي وأمريكا اللاتينية وأفريقيا.

 الأفضل نيوز 

شاهد أيضاً