ماذا ينتظر العالم في 2025؟

محمد فيصل الدوسري

ينطلق عام 2025 وسط آمال بتجاوز تحديات العام الماضي، فالعالم يعيش في دوامة من التحولات العميقة في السياسة، والاقتصاد، والأمن، ضمن مرحلة تعد “الأكثر اضطرابًا منذ نهاية الحرب الباردة”.

 

وتمثل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أبرز التطورات السياسية لعام 2025، وتثير أسئلة حول كيفية استثمار فترة ولايته الثانية لمعالجة القضايا التي ورثها من إدارة بايدن.

فقد أعلن ترامب نيته التركيز على إنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية، في تصريحات تحمل طابعًا دعائيًا بشأن قدرته على وقف المعارك خلال “24 ساعة”، ما يجعل إمكانية إحياء المفاوضات بين موسكو وكييف برعاية أمريكية خلال مارس/آذار المقبل محطة مهمة مع حلول الذكرى الثالثة للصراع، وفي حال نجاح أي مفاوضات مقبلة، فقد تتجه الحرب نحو “تجميد” طويل الأمد على غرار النموذج الكوري، مما يفرض على الأطراف تحولات استراتيجية في تحديد الأهداف.

ويُرتقب أن تشهد علاقات واشنطن مع حلفائها التقليديين في الاتحاد الأوروبي توترات، خاصة مع تصاعد الانتقادات الأوروبية لسياسات ترامب التجارية، بجانب عودة التركيز على التنافس الاستراتيجي مع الصين.

وسيبقى ملف الطاقة في صدارة الاهتمامات الأوروبية، إثر توقف إمدادات الغاز الروسي، ما يزيد الحاجة إلى إعادة صياغة الاستراتيجيات الاقتصادية.

والقارة العجوز تعيش مرحلة دقيقة من الاختبارات السياسية، خاصة مع انهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا، وتصويت البرلمان الألماني على مذكرة حجب الثقة عن حكومة المستشار أولاف شولتز، ما أفسح المجال لإقامة انتخابات تشريعية مبكرة، قد تترك فراغًا سيغير ملامح القيادة الأوروبية، وسيعطي فرنسا مرونة أن تلعب دورًا أكبر على الساحة الدولية.

يبرز الشرق الأوسط بصفته إحدى ساحات الصراع الأكثر تعقيدًا، حيث تستمر الأزمات دون حلول واضحة.

الحرب في غزة متواصلة وتفرض واقعا مأساويا بعد أكثر من عام على اندلاعها، ويبقى الأمل في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار رهنًا بالتطورات السياسية، خصوصًا مع وجود إدارة أمريكية مقبلة تتبنى أجندات أكثر تشددًا، وسيبقى ملف السلام أحد أبرز إنجازات ولاية ترامب الأولى فهل يستثمر إرثه في المزيد من اتفاقيات السلام خلال 2025، لتكون بمثابة جسر عبور لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لو كانت الغاية الرئيسية هي الاستقرار الإقليمي؟

إيران ستواجه عامًا صعبًا في ظل احتمالية عودة ترامب بسياسة الضغط الأقصى، ومع تراجع نفوذ حلفائها في لبنان وسوريا وغزة، واحتمالية التصعيد الأمريكي-الإسرائيلي على ما تبقى من وكلائها المحليين في العراق وشمال اليمن، قد تجد طهران نفسها مضطرة إلى إعادة ترتيب أوراقها، ولعلها تكون إعادة صياغة دائمة لسياستها الخارجية، فإن كانت مؤقتة كما جرت العادة، فستظل المنطقة تعاني من صراعات تعوق مشاريعها التنموية.

المشهد في سوريا ولبنان يمر بمنعطف سياسي مهم، فمن ناحية إيجابية أتاح انهيار حزب الله الفرصة للدولة الوطنية في لبنان للنهوض من جديد، فمع انحسار النفوذ الإيراني أصبح انتخاب رئيس جديد ممكنا بعد فراغ طال لأكثر من عامين، ما سيشكل لحظة فارقة ستعيد الحياة إلى مؤسسات الدولة، في فرصة جديدة لتجاوز الجمود السياسي والمضي قدُمًا نحو الإصلاحات، وهو ما سيعطي لبنان القوة التفاوضية مع إسرائيل، وسيجعل الانسحاب الإسرائيلي ممكنا، فمع إزالة الأسباب تذهب المخاطر التي جعلت إسرائيل تشن عملية عسكرية برية في الجنوب اللبناني.

حزب الله وداعموه من أكبر الخاسرين من تحولات المشهد في سوريا وانهيار نظام الأسد، ما يقطع طرق إمداد الحزب في سوريا وانحسار نفوذه للداخل اللبناني. ولكن ذلك لا يعني انتهاء المخاطر بشكل نهائي، فحزب الله معتاد على التكيف بحسب المتغيرات، كما أن المشهد ضبابي ولم يتضح بعد دون أفق واضحة لمستقبل الحكم في لبنان وسوريا، ومن المبكر الجزم بانعكاسات الواقع الجديد في دمشق على المشهد اللبناني، خصوصاً أن الإدارة الجديدة في سوريا تسير وفق رؤية براغماتية تحاول من خلالها إرضاء جميع الأطراف.

عودة ترامب ستعيد تركيز الجهود الأمريكية نحو استعادة بريق القطب الواحد، فمن المرجح أن تشهد السياسات الأمريكية، تصعيدًا ضد النظام العالمي متعدد الأقطاب، خاصة في ظل تعاظم النفوذ الصيني والروسي في أفريقيا وآسيا، مما قد يدفع واشنطن إلى تعزيز تحالفاتها التقليدية وإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية لمواجهة التحدي، وسيبقى السؤال إن كانت أمريكا وحلفاؤها في الغرب قد فاتهم القطار، فالعالم قد تغير بالفعل.

عام 2025 سيكون مفصليًا على مختلف المستويات. فالعالم يقف أمام خيارين، إما استغلال التحولات الراهنة لرسم مستقبل أكثر استقرارًا، وإما الغرق في دوامة الأزمات دون أفق للحل.

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً