نتنياهو وحماس، كلاهما سيدفعان ثمن الحرب في غزة بوصفهما شركاء مصلحة فيها، فالأول أراد أن يهرب من تهم الفساد أمام المحاكم الإسرائيلية إضافة إلى حالة الانقسام في الشارع الإسرائيلي والتظاهرات التي اجتاحت الشارع بسبب التعديلات القضائية التي كانت ستحمي نتنياهو لو تمكن من النجاح في إقرارها. بينما حماس رمت بمصالح الفلسطينيين جانباً، عندما بدت صورة السابع من أكتوبر واضحة أنها كانت بقصد دعم إيران في هروبها من الاستحقاقات الدولية المطلوبة منها وخصوصاً الملف النووي، وهكذا كان السابع من أكتوبر مصلحة إيرانية، استفاد منها نتنياهو مؤقتاً، وتوهمت حماس أنها باتت فيه تدير الثواني الزمنية، نحو متغيرات مزروعة في العقل الباطني للحركة، غير أن ذلك كله لم يجعل التاريخ يمشي لا وفق طموحات إيران، ولا وفق أحلام نتنياهو الذي أراد أن يكون اسطورة إسرائيل بحيث يتفوق على سلفه شارون، وصولاً إلى أوهام حماس والتي تبخرت أمام عزلتها في ميدان السياسة.
نتنياهو وقصة الأسطورة التي تلازم عقله الباطني جعلته يفسد سمعة إسرائيل وجيشها أمام أبرز الحلفاء في الغرب، ولم تكن الجنائية الدولية سوى واحدة من مفارقات نتنياهو، والتي كانت بمثابة جائزته الوحيدة التي حصل عليها، فهو يدرك أنه لم يستطع إقناع الداخل الإسرائيلي بمنجزاته العسكرية، وبالتالي بقي يحصد خيبات الأمل الداخلية، ولم يتمكن من إقناع أوروبا، التي كانت تواجه المسألة الأوكرانية بتبعاتها الاقتصادية والعسكرية، وبالتالي كانت حرب غزة، واحدة من الأزمات التي استنزفت السياسة الأوروبية، خصوصاً مع تحالف المصالح بين اليسار الأوروبي مع الاخوان من خلال التظاهرات التي اجتاحت الجامعات الاوروبية بعد الأمريكية، وهو ما نتج عنه في أوروبا صعود اليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية الأوروبية السابقة، ناهيك عن المسألة الأوكرانية ونقص إمدادات الذخائر، للحليف الأوكراني للغرب وتأثيراتها على المشهد.
في جانب حركة حماس كانت الحرب تجري عملياً عبر وسائل الاعلام الداعمة للحركة أكثر منها عملاً ميدانياً على الأرض، وهو ما استدعى استجلاب محللين عسكريين من بقاع الأرض بغية الترويج لإثبات انتصارات حماس، وتصوير قدراتها القتالية بأنها تتفوق على إسرائيل ميدانياً، وبعضها قارن بين كتيبة جباليا وبين قوات دلتا الامريكية، وكان يأتي ذلك مع اختفاء المحاور القتالية أصلاً من الأيام الأولى، واكتفاء حماس باستخدام الصواريخ من بعيد في الجانب الميداني، وبهذا تم الترويج لأسطورة حماس، مع خطاب تحريضي قام به مكتبها السياسي بغية تحريك الشارع العربي ضد حكامه، ولم تنس حماس أن تدفع بأنصارها في الضفة نحو مواجهات غير محسوبة، نتج عنها مقتل أكثر من 800 شاب فلسطيني في الضفة، لم يكن أصلاً حملهم للسلاح مبرراً، وهي المواجهات التي استخدمتها إسرائيل ذريعة في تدمير البنية التحتية في العديد من الأماكن في الضفة ولا تزال.
بالنتيجة، لم يتحول نتنياهو إلى اسطورة في الداخل الإسرائيلي ولا يزال يتوجب عليه الذهاب الى المحكمة بتهمة الفساد، ولم يحصل حزبه على مستوى اعلى رغم انتهاء حرب لبنان، وعلى الرغم من وعود نتنياهو بالبقاء في غزة، غير أن ذلك لم يدفع لزيادة صعود لليمين الإسرائيلي، فحزب الليكود لن يكون صاحب المعادلة السياسية القادمة في الشارع الإسرائيلي، ورغم ضبابية المشهد، فمن غير المتوقع أن يغيب “مشهد عملية سياسية” قادمة عن الواجهة.
أيضاً حماس لم تحقق ما كانت ترجوه من نهاية المشهد وحرب قصيرة تعيد مكانتها السابقة في غزة مع الاحتفال التقليدي الذي كانت تصنعه بعد كل جولة حرب وتنتهي بقصة و “انتصرت غزة” لأن غزة لم تعد موجودة أصلاً أمام الدمار الهائل والضحايا الذين معظمهم سيكونون في مواجهة حركة حماس عما فعلته، سواء من خلال عائلات الضحايا الذين قضوا، أو من الجرحى الذين يفوق عددهم المئة ألف، جراح كثيرين تحمل عجزاً دائماً، وبالتالي ما يريده نتنياهو وحماس هو اليوم التالي للحرب، وهو يوم طويل لذلك يحاول كلاهما تأخير قدومه، فما تريد حماس أن لا يأتي الآن على أمل حدوث متغيرات سياسية تعفي قيادتها من المساءلة.
وأما نتنياهو فهو يريد وقتاً أطول للحرب حتى مجيء إدارة ترامب، لكي تكون شريكة في إغلاق ملف الحرب لكي يتحمل أقل الأعباء الناتجة عن أوزارها، فيما حماس تبحث عن ملجأ لقيادتها السياسية لكي تعود للواجهة ولو من خلال الخطاب الإعلامي، بينما سيبقى مصير قادة حماس في غزة مجهولاً وبالتالي، بقيت غزة هي معركة اليأس لكل من نتنياهو وحماس، فكلاهما سيخرجان خاسران، ويبقى السؤال، من سيحاسب حماس ونتنياهو.