هموم النفط في دول حوض الخليج

أ.د. نظام عبدالكريم الشافعي

تعد دول حوض الخليج وعددها ثمان، ومنذ بدايات القرن العشرين من بين أهم الأقاليم النفطية في العالم، والتي ازدادت أهميتها بعد الحرب العالمية الثانية. حيث تنبأ المستشارون الجيولوجيون للرئيس الأمريكي روزفلت بأن الإقليم سوف يسحب البساط من تحت أرجل دول البحر الكاريبي، وأوصوا بأن على الولايات المتحدة الأمريكية التوجه نحو المنطقة بخلق علاقات معها. ولمرة أخرى أصبحت المنطقة مهمة للغاية عندما أصبح الغاز الطبيعي، وخاصة الحر يمثل منذ أكثر من ثلاثة عقود أهمية إضافية للإقليم بصناعاته وتسييله.

 

لكن ومنذ بداية الإنتاج في عام 1908، ودوله حكومة وشعبا تحمل هموما بشأنه، لم تقف عند واحد منها، بل تعددت ويمكن تحديدها زمنيا بخمسة منها على الأقل وهي: هم النضوب، هم الأسعار، الهم الأمني، هم البدائل، وأخيرا الهم البيئي.

فالهم الأول كان هم النضوب، وقد ظهر بعد فترة وجيزة، وتعالت أصوات المحللين في العقود الأولى من الإنتاج حيث بدأت في استغلال مردوده المالي في عمليات التنمية الجميلة، بأن نفطكم غير متجدد وسينفد قريبا يا دول الخليج قلا تفرحوا كثيرا، فالمؤشرات وبناء على تقنيات الفترة تظهر بأنه قد تم اكتشاف كل ما تخزنه الأرض منه، فعليكم بخفض انتاجه وإطالة عمره الزمني. فكان فعلاً هماً حمله أهل الخليج. ولكن بفضل الله تطورت التقنيات واتسعت دائرة الكشف وتدخلت شركات جديدة غير السبع الكبرى، برا وبحرا لتبشر بكميات واحتياطيات لم تكن متوقعة سابقا، كما في السعودية والعراق نفطيا، وفي إيران وقطر غازيا، فزال هذا الهم المؤرق مؤقتا.

 

 

في حين أن تذبذب أسعار البرميل الواحد منه يعد الهم الثاني، فمن عدة دولارات إلى أكثر من 100 دولار في أحيان أخرى، وكان ذلك مدعاة وبصورة خاصة عند الانخفاض بسياسة شد الحزام وتأخر المشروعات التنموية، وتأثر الرواتب والعلاوات والتوظيف، وكذلك في تقلص الاحتياطيات المالية للدول وتكرر العجوزات في موازناتها السنوية، والتوجه بالتالي نحو البنوك والمصارف للاقتراض مما أدى الى تكلفة اعلى في قيمة المشروعات. ولكن في نفس الوقت تعلمت الدول من تحدياتها دون أفرادها للأسف، فأدى بالدول أن تستغل فترات الرخاء السعري في تكوين الفوائض التي أدت إلى صناديق سيادية ضخمة للاحتياطي المستقبلي، بداية بدولة الكويت بخلقها صندوق الأجيال، وتلتها بشكل مبهر البقية.

وأما الهم الثالث فهو الأمني، فدول الإقليم حاولت الاهتمام بتعيين حدودها، والمطالبة بحل المشكلات الحدودية المزمنة وضرورة الانتهاء منها. حيث التوقعات بوجود مكامن نفطية بجوارها، فما من دولة من الدول الثماني إلا ولها حدود مشتركة برية كانت او بحرية. وبما ان الإقليم يقع على مسطح مائي وفي طبقاته الأرضية العميقة بحر آخر معروف جيولوجيا بغناه النفطي، فكان أن سعت لذلك تفاديا لمشاكل مستقبلية. وكانت الأسبق إلى ذلك دولة قطر، فكانت صفر مشاكل حدودية، فمنذ عام 1963 مع الشقيقة السعودية ومرورا بعام 1969 مع إيران وابوظبي، وانتهاء بالبحرين في عام 2001. وتتالت بعد ذلك حل معظم المشكلات الحدودية في الإقليم مما أكسب الإقليم أمنا كعادته عبر الزمن، لولا التدخلات الخارجية والتهديدات بغلق المضيق. لكن، وكما يعلم الجميع ما تزال الخلافات في هذا الشأن بين ثلاث دول حول حقل الدرة، وفي مناطق أخرى. وتتوتر الحالة أمنيا بتصاعد التوترات السياسية وخاصة بين إيران ودول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة، فلا يمكن لأحد ان ينكر دور النفط في أحداثها، فهذا الهم ما زال مسيطرا ومشغلا البال.

أما الهم الرابع فهو بدائل النفط، فارتفاع أسعاره منذ 1973، بدأت الدول الكبرى عبر جامعاتها ومراكزها البحثية في اعتماد ميزانيات بالمليارات للبحث في بدائل النفط من مصادر الطاقة المتجددة وهي المحرك الأساس في احداث تغيرات حضارية في جميع أوجه الحياة واستمرارها. فالدول المتقدمة من اليابان في الشرق ودول غرب أوروبا والولايات المتحدة سعت إلى اكتشاف مصادر الطاقات البديلة. فالنفط بهذا الهم لدى منتجيه سيكون مصدرا من مصادر الطاقة، وليس المصدر الأهم بقيمة يتمنونها، فقد يكون متوافرا ولكن الكساد يكون قد أفسده، فالجهود في خلق وتعزيز مصادر الطاقة الشمسية والرياح والطاقة البيولوجية والهيدروجينية أصبحت ملموسة، وتبحث عن تقنيات متقدمة أخرى لخفض أسعارها، ستمكنها من التنافس.

فلنتوقف أخيرا عند خامس الهموم وهو حديث العالم اليوم، متعلق بضريبة الكربون او الهم البيئي، بمشروع تبناه الاتحاد الأوروبي بدفع ضريبة قيمتها خمسة دولارات عن كل برميل نفط او مكافئ يصدر. وقد أسرع المسؤول الأكبر في قطر للطاقة بالرد عليه بشكل صريح وقوي الرافض للفكرة، ومعلنا أنه قد تكون نتيجته وقف التصدير لدوله، وتم تأييده من دول أخرى وشركات عالمية كبرى. فتخيلوا المبالغ التي ستدفعها دول الخليج المصدرة للنفط لأكثر من عشرين مليون برميل يوميا. ومما يجب التنبيه له أن الفكرة قديمة، فمنذ التسعينيات تتدارس الدول الأوروبية باقتراح دولة الدنمارك كذلك بفرض ضريبة كربون على الدول المنتجة بثلاثة دولارات وإنشاء صندوق دولي لتنظيف العالم من ملوثاته، إلا أن المشروع أسقط بوقفة من دول الكتلة النامية والمتحولة اقتصاديا بأن اتهمت الدول الصناعية الغنية بتلويث البيئة قبل دولهم، وعليها العبء الأكبر بتنظيفها. ولكن الجديد في مشروع ضريبة الكربون الجديد، أنهم أضافوا بعد حقوق الإنسان والعمال التي يتشدقون بها.

ومن الجدير بالذكر أن جميع دول حوض الخليج العربي قد صادقت على اتفاقية باريس بشأن البيئة، مؤكدة أنها ستدعم وتؤازر بما يمليه عليه الواجب جميع التوجهات العالمية لتقليل التلوث البيئي الناتج بدرجة رئيسية عن الصناعات الحديثة الكثيفة والمنتجات المدنية او العسكرية والتي من بينها النووية واشعاعاتها المستخدمة في الحروب.

شاهد أيضاً