السياسي -وكالات
على الرغم من أن القارة القطبية الجنوبية هي أرض الجليد والثلوج، إلا أنها أيضاً أرض الأسرار والألغاز، ومن بين أهم هذه الألغاز، شلالات الدم الحمراء التي تتدفق من نهر تيلور الجليدي إلى بحيرة بوني الغربية.
تم اكتشاف شلالات الدم لأول مرة في عام 1911 من قبل الجيولوجي الأسترالي توماس غريفيث تيلور، الذي كان جزءاً من البعثة البريطانية في القطب الجنوبي بقيادة روبرت فالكون سكوت. استكشف تيلور الوادي الذي يحمل اسمه الآن ولاحظ وجود بقعة حمراء غريبة في النهر الجليدي، وكان يعتقد في البداية أن اللون يرجع إلى شكل من أشكال الطحالب الحمراء.
سبب اللون الدموي للشلالات
حسبما نقلت صحيفة تايمز أوف إنديا، لم يتم الكشف عن السبب الحقيقي للون الأحمر للشلالات إلا بعد مرور قرن تقريباً من اكتشافها، ففي عام 2003، استخدم فريق من الباحثين من جامعة ألاسكا فيربانكس وجامعة هارفارد مقياس الطيف لتحليل التركيب الكيميائي للمياه المتدفقة من النهر الجليدي. وتبين أن اللون الأحمر للمياه ينتج عن أكسيد الحديد، الذي يتشكل عندما تتلامس مياه البحر القديمة المحاصرة تحت النهر الجليدي مع الهواء. تعد مياه البحر موطناً لمجتمع متنوع من البكتيريا، التي تكيفت مع الظروف القاسية للبيئة تحت الجليدية، حيث لا يوجد لديها ضوء ولا أكسجين ومغذيات محدودة، وهي تعيش باستخدام عملية تسمى التخليق الكيميائي، حيث تحصل على الطاقة عن طريق تحطيم الكبريتات والحديد في الماء.
كيف بقي الماء المالح سائلاً
استخدم الباحثون راداراً لمسح النهر الجليدي واكتشفوا شبكة من القنوات تحت الجليدية وخزاناً كبيراً من المياه المالحة تحت الجليد. ويقدر عمر المياه المالحة بحوالي خمسة ملايين سنة، ويعود تاريخها إلى عصر الميوسين، عندما كان مستوى سطح البحر أعلى وكان النهر الجليدي عبارة عن مضيق بحري متصل بالمحيط. وبمرور الوقت، عزل النهر الجليدي المضيق البحري عن البحر واحتجز مياه البحر تحت الجليد. عندما تجمد الجليد، طرد الملح والشوائب الأخرى، مما أدى إلى تكوين محلول ملحي عالي التركيز ظل سائلاً بسبب نقطة التجمد المنخفضة والحرارة المنبعثة من عملية التجميد.
سر الحياة تحت الجليدية
كانت النتيجة الأكثر إثارة للدهشة في البحث هي وجود حياة ميكروبية في الماء الملحي، حيث اكتشف العلماء آثاراً للحمض النووي والكربون العضوي في الماء، مما يشير إلى أن المحلول الملحي كان موطناً لمجتمع متنوع من البكتيريا. لقد تكيفت هذه البكتيريا مع الظروف القاسية للبيئة تحت الجليدية، حيث لم يكن لديها ضوء ولا أكسجين، وعاشت باستخدام عملية تسمى التخليق الكيميائي، وحصلت على الطاقة عن طريق تحطيم الكبريتات والحديد في الماء. أنتجت البكتيريا أيضاً مركبات عضوية كانت بمثابة غذاء للميكروبات الأخرى، مما أدى إلى إنشاء نظام بيئي معقد تحت الجليد.
الآثار المترتبة على النتائج
إن اكتشاف الحياة في الماء الملحي له آثار مهمة على دراسة علم الأحياء الفلكي. تشبه البيئة تحت الجليدية لشلالات الدم الظروف التي قد توجد في عوالم جليدية أخرى، مثل أحد أقمار كوكب المشتري، وأحد أقمار زحل. ويُعتقد أن كلا هذين القمرين يحتويان على محيطات مائية سائلة تحت قشورهما الجليدية، وربما فتحات حرارية مائية يمكن أن توفر الطاقة والمواد المغذية للحياة. ويشير وجود الحياة في شلالات الدم إلى أن الحياة يمكن أن تزدهر أيضاً في هذه المحيطات خارج كوكب الأرض، حتى في غياب ضوء الشمس والأكسجين.
مستقبل شلالات الدم
إن شلالات الدم ليست مجرد أعجوبة طبيعية، ولكنها أيضاً مختبر طبيعي لدراسة أصول وحدود الحياة على الأرض وخارجها. ومع ذلك، فإن مستقبل شلالات الدم غير مؤكد، حيث قد يؤثر تغير المناخ على استقرار النهر الجليدي والمحلول الملحي. ويأمل الباحثون في مواصلة مراقبة الموقع وجمع العينات لمعرفة المزيد عن النظام البيئي تحت الجليدي وتطوره.