مجزرة رفح ومتاهة المفاوضات

عمر حلمي الغول

دم مسفوح من أطفال ونساء وشيوخ عزل وابرياء، شلال متدفق من الأحمر القاني في محافظات قطاع غزة خصوصا وفلسطين عموما، وحرقت وتفحمت وشوهت الأجساد الغضة، وغرق شمال وجنوب غرب محافظة رفح في أتون المجزرة، استمرارا لسيل المجازر والمحارق والمذابح الصهيو أميركية منذ ثمانية اشهر خلت، حتى فاق عددها 3220 مجزرة، ومازال مصاصو الدماء الإسرائيليون نتنياهو واقرانه في مجلس حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني يرقصون ويلهون رقصات الموت والجريمة، وهم يشربون من دماء الطفولة الفلسطينية، ولم يرتووا حتى الان، رغم سقوط ما يزيد عن 46 الف شهيد مع المفقودين، وما يفوق ال81 الف جريح، حتى خرجت عيونهم من حدقاتها، وسالت منها ومن انيابهم الدماء، الا ان جوعهم الوحشي لأجساد الضحايا من الفلسطينيين، بارتدادهم لفصيلة أكلة لحوم البشر، وعطشهم اللا انساني لدماء الأطفال والنساء الناجم عن اصابتهم بداء الكلب والعطش المزمن فاق الوصف وتجاوز المنطق والقانون الإنساني الدولي، ودورة الدم والمذبحة لم تنتهِ فصولها بعد، لان راعي البقر الأميركي مصوبا بنادقه ومدافعه وصواريخه الى رؤوس الاقطاب الدوليين، والمندوبية الأميركية تحتل المنابر الأممية وأعلنت حالة الطوارئ، ومنعت إصدار أي قرار أممي من مجلس الامن يدعو لوقف حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني.
فاضت ارواح 45 طفلا وامرأة وشيخا الى بارئها يوم الاحد الماضي 26 مايو في مجزرة وحشية جديدة في اعقاب صدور قرارات محكمة العدل الدولية الداعية لوقف الحرب في محافظة رفح فورا يوم الجمعة الماضي 24 مايو، وجرح 249 مواطنا جلهم من الأطفال والنساء في مخيمات النزوح في جنوب غرب رفح نتاج القصف الوحشي الإسرائيلي وبالأسلحة الأميركية، رغم أن المواطنين الفلسطينيين أُمروا من قبل جيش الموت الاجرامي بالنزوح من جنوب ووسط رفح الى شمالها وغربها لإقامة خيامهم في مواصي المحافظة، لضمان أمن حياتهم، باعتبارها من مناطق الايواء الآمنة. ولكن إسرائيل النازية كما فعلت عشرات المرات خلال الشهور ال8 الماضية بمطالبة المواطنين الفلسطينيين بالنزوح من مناطق سكناهم الى مناطق أخرى، باعتبارها مناطق آمنة، ثم تقوم بإلقاء قنابل وصواريخ طائراتها وزوارقها البحرية ومدافع دباباتها بألاف الاطنان من المتفجرات على رؤوسهم، بهدف توسيع وتعميق دائرة حرب الإبادة الجماعية، أو التهجير القسري لتحقيق هدف التطهير العرقي الاوسع استحضارا لتجربة النكبة الكبرى 1948.
وللاحتيال والالتفاف على فظاعة وبشاعة المجزرة، أعلن نتنياهو امام الكنيست اول أمس الاثنين، ان خللا فنيا حدث، مما أدى لوقوع المجزرة الوحشية. والسؤال، هل ال46 الف شهيد و81 الف جريح وجلهم من الأطفال والنساء سقطوا نتيجة خلل فني أم لان أحد أهداف حرب الإبادة، هو سحق عظام واجساد أبناء الشعب الفلسطيني أطفالا ونساءً وشيوخا؟ والم يعلن غالانت عن أبناء الشعب الفلسطيني بأنهم “حيوانات بشرية يجب سحقهم”، وان تعلن انت يا رئيس حكومة الحرب بأنكم احفاد داود في مواجهة العماليق ودعوت الى قتلهم؟ والم ينادي حاخامات إسرائيل بقتل الاجنة والأطفال والنساء والشيوخ دون رحمة؟ والم ينادي عميحاي الياهو بإلقاء قنبلة نووية على الشعب الفلسطيني في غزة؟ وغيرها
بيد أن قادة إسرائيل لا يفقهون دروس التاريخ، ولا يدركون دلالات المقولات الهامة من فلاسفة القرون الماضية، ومنها مقولة ماركس المثيرة للأعجاب، والقائلة “أن التاريخ يعيد نفسه مرتين او أكثر، في المرة الأولى كمأساة، وفي المرة الثانية كمهزلة.” وهي مقولة أثبتت جدارتها، وهذه تجربة الشعب العربي الفلسطيني مع النكبة الأولى 1948، التي كانت بمثابة مأساة مع نزوح 950 ألف انسان من ديارهم ووطنهم الام، والان في حرب الإبادة الجماعية 2023 و2024 لم يستسلم الشعب الفلسطيني امام طوفان الموت والمحرقة الإسرائيلية الأميركية، ولم يقبل التهجير القسري، وحول هدفهم الى مهزلة سخيفة، رغم هول وفظائع الكارثة، التي فاقت كل وصف بما خلفته من ضحايا ودمار غير مسبوق.
ومع شلال الدم عادت متاهة المفاوضات لتبادل الاسرى، التي يفترض انها بدأت أمس الثلاثاء 28 مايو مع تسليم إسرائيل ردها على نقاط المبادرة المقترحة، والتي سبقها اجتماعات لمجلس الحرب الإسرائيلي، أعلن خلالها نتنياهو بشكل واضح وجلي: انه أعطى عدة مرات فريق التفاوض تفويضا واسعا لإطلاق سراح الاسرى المحتجزين. لكنه وضع شرطين بمثابة سقف لا يجوز تجاوزهما الأول “لن نوافق على وقف إطلاق النار بشكل كامل، والثاني لا لانسحاب الجيش من غزة.” وكأنه شاء ان يستحضر المثل الشعبي العربي القائل “مقسوم لا تأكل، وصحيح لا تقسم، وكُل قد ما تريد! وبتعبير آخر، ان المفاوضات الدائرة بمثابة لعبة وشكل من اشكال التسويف والمماطلة والالهاء للرأي العام الإسرائيلي والأميركي والعربي والعالمي بهدف إطالة أمد حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني لعل وعسى ان يحققوا هدفا ما من أهداف حربهم.
مع ان كل الدلائل تشير بوضوح لفشلهم الذريع باستثناء توسيع دائرة حرب الإبادة الجماعية في أوساط الشعب الفلسطيني، والتي لن تفت في عضدهم. وسيلاحق عار المجازر الوحشية قادة البيت الأبيض وإسرائيل وكل من شارك في فصولها الوحشية. فيا حبذا لو يراجع الوسطاء العرب دورهم، ويحددوا سقفا زمنيا واسسا سياسية وامنية وإنسانية لوساطتهم حتى لا يعاب عليهم لاحقا.

شاهد أيضاً