كشف الرئيس الأمريكي السابق ومرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأمربكية التي ستجري انتخاباتها في 5 نوفمبر المقبل، عن موقف مستفز تجاه حركة حماس، بأن توعدها بدفع ما سماه ثمنا باهظا للغاية، إذا لم يعد الرهائن قبل عودته للبيت الأبيض نهاية يناير المقبل بعد فوزه بالرئاسة.
هذا الوعيد الترامبى في شكله ومضمونه يعكس سلوك وثقافة التعالي والغطرسة الأمريكية التي هي مكون أساسي ضمن جملة تصرفات اليانكي الأمريكي.
وتؤكد تجربة رئاسته الأولى أنه خير من يعبر عن سلوك الغطرسة الأمريكي المتكئ على فرط القوة في جانبيها الناعم والخشن، وهذا يتمظهر في قوله إن على حماس أن تفرج عن الصهاينة من حملة الجنسية الأمريكية دون قيد أو شرط وإلا. وهو بذلك يتجاهل آلية خريطة الطريق الأمريكية التي اقترحها الرئيس جو بايدن وتبناها مجلس الأمن الدولي في القرار رقم 2735 لوقف الحرب على غزة وإجراء صفقة تبادل الرهائن.
وربما من المهم هنا التذكير بموقف ترامب من حرب الإبادة التي ينفذها الكيان الصهيوني ضد أهل غزة وجرمتها الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الحقوقية بتكييفها على أنها جرائم حرب، بأن اتهم الرئيس بايدن الشريك في حرب الإبادة عبر السلاح والدعم اللوجستي والاستخباراتي والدعم المالي والسياسي، بأنه منع نتنياهو من مواصلة تلك الحرب التي دمرت غزة وشردت أهلها وقتلت 40 ألف تقريبا. وفقد فيها 10 آلاف تحت الأنقاض وتعرض اكثر من 80 ألف لمختلف الإصابات، إضافة إلى ممارسة الحصار وحرب التجويع مع سبق الإصرار، ثم ياتي ترامب ودون أي وازع أخلاقي أو إنساني ليتهم بايدن خلال المناظرة التي جرت بينهما الشهر الماضي بأنه فلسطيني كنوع من التحقير ، وأنه منع نتنياهو من مواصلة حربه على أهل غزة التي جرمها العالم.
ولا شك أن هذه اللغة الفظة وذلك الاستعداد العدائي للفلسطينيين لدى ترامب في حال عودته للبيت الأبيض لن تكون في مصلحة أي طرف فلسطيني وبالتأكيد ليست في صالح القضية الفلسطينية التي هي الأهم، وسواء كان هذا الطرف حماس أو السلطة الفلسطينية، لكنها ستكون مكافأة أمريكية لنتنياهو وحكومته الفاشية وسيجد الصهيوني الكردي ايتمار بن غفير وزير الأمن القومي. وبتسلىيل سموترتش الأوكراني الأصل وزير المالية ممثلا أحزاب الصهيونية الدينية الفاشية في ترامب صاحب صفقة القرن الذي يرى أن الاستيطان أمرا مشروعا، أفضل شريك لهم في حربهم على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية التي يصنفها مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري حول الجدار بأنها أراض محتلة، وهي الحرب التي تستهدف الإنسان الفلسطيني في ذاته.
ولما كانت تجربة الشعب الفلسطيني مع كل الإدارات الأمريكية أيا كان الحزب الحاكم هي تجربة مريرة من ترومان وحتى بايدن، سيما في ظل الهوس الديني الذي رافق بعضهم ممن يتعاملون مع الكيان الصهيوني كواجب ديني له علاقة بتسريع عودة المسيح المنتظرة. فإن التحدي سيكون كبيرا ويستهدف القضية الفلسطينية، وهنا يستوي الفلسطينيون أمامهم أيا كانت انتماءاتهم وربما يوضح رفض نتنياهو إدارة قطاع غزة بعد الحرب من قبل كل من السلطة الفلسطينية المتهمة من قبل الكثيرين بالتواطؤ مع الاحتلال وبالخيانة لدى بعض أطراف الحالة الفلسطينية بفتحستان فيما يوصف حركة حماس بحماسستان كونهما بالنسبة للعدو الصهيوني تنظيمان معاديان إرهابيان وفق قياس نتنياهو، وهو هنا يتعمد القياس على التشكيلات الإرهابية التي نشأت في أفغانستان. في محاولة لترسيخ تلك الصورة لدى المتلقي في الكيان الصهيوني في الغرب الاستعماري وحتى في المحيط الإقليمي.
وكوني أعي أن التحدي الذي سيشكله ترامب مع نتنباهو وقوى الصهيونية الدينية والقومية سيكون أكبر من قدرة أي طرف فلسطيني على مواجهته بمفرده، أيا كان تقديره لنفسه وحلفائه، هنا يمكن القول رب ضارة نافع. إذا ما استوعبت كل من فتح وحماس أن مصلحتهما الذاتية الضيقة تتطلب اشتقاق رؤية وحدوية سياسية كفاحية تنظيمية مشتركة للحفاظ على الذات أولا في مواجهة سياسات ترامب العدائية، والتصدي المشترك مع كل القوى الفلسطينية لمحاولة تصفية قضية الشعب الفلسطيني وأن يتمتعا بالمسؤولية الوطنية بتجاوز مصالحهما الحزبية لصالح مشروع تحرري وطني جامع في إطار منظمة التحرير المعافاة من حالة الاستلاب التي عاشتها بعد أوسلو، التي يجب أن تكون هي العنوان السياسي والكفاحي للشعب الفلسطيني بإعادة الاعتبار لها كبيت للكل الفلسطيني مهما تعددت الأيديولوجيات والمقاربات السياسية.
وفي تقديري ان فتح وحماس وهما يلتقيان برعاية أحفاد ماو ومعهما كل القوى سيكونون أمام اختبار المسؤولية الوطنية التي عنوانها فلسطين هي الحزب وهي التنظيم، وأن مصلحة وإرادة الشعب تعلو مصلحة جمهور الحزب أو الحركة، وهو في ظني اختبار يختلف عن كل ما ظق من لقاءات وحدوية.
إن الانتصار لأهل غزة وكامل الضفة تتطلب ان تجعل فتح وحماس من لقاء الصين فرصة للوحدة التي من شأنها أن تعيد الاعتبار للفلسطينيين كرقم صعب في المعادلات الإقليمية والدولية، من أجل مواجهة حقبة ترامب وسعار القوى الصهيونية الدينية التي التي بدأت في استهداف الضفة وأهلها، وهي حملة ستتصاعد مع الإدارة الأمريكية الجديدة..فهل يفعلها أطراف اجتماع بكين؟، أم أنهم سيسقطون في اختبار المسؤولية الوطنية، ويعيدون إنتاج خيبات اللقاءات السابقة ؟.