سموتيريش وسؤال الإبادة

عمر حلمي الغول

ظاهرة المشروع الاستعماري الصهيوني، رغم انه مشروع مخترع ومفبرك قام على الخزعبلات والاساطير والميثولوجيا من مجموعة بشرية من المرتزقة تنتمي لاثنيات تتبع الديانة اليهودية، جلها من يهود الخزر الاشكناز، التي أصل لها واقام لها دولة الغرب الرأسمالي لخدمة مصالحه وأهدافه في الوطن العربي، وتم اختيار فلسطين التاريخية مركزا لتجسيده على ترابها، كونها تقع في قلب العالم العربي لتحقيق الهدف المركزي فصل المغرب عن المشرق العربي، ونهب ثروات الامة العربية، وابقائها في دائرة المحوطة والتبعية للغرب، والحؤول دون وحدة ونهوض شعوب الامة، الا ان هذا المشروع الكولونيالي شكل ظاهرة سياسية واجتماعية لها ميكانزماتها الخاصة. ومع ان هذه الظاهرة – المشروع حمل في ثناياه عوامل فنائه واندثاره، لأنه طارد لمقومات البقاء والاستمرارية، وطارئ بحكم عدم اصلانيته، ونتاج حجم التناقضات الواسعة والعميقة المتأصلة فيه مع نشوئه وتأسيسه، والتي تعمقت مع صعوده وتطوره بفضل الدعم الكامل من دول الغرب عموما والولايات المتحدة الأميركية خصوصا، ولولاها فإن المشروع -الدولة كان سيضمحل ويتلاشى ارتباطا بالعوامل الذاتية والموضوعية ذات الصلة بتركيبه ودوره الوظيفي النفعي في المحيط العربي واقليم الشرق الأوسط عموما.
هذا المشروع الصهيوني وقاعدته المادية دولة إسرائيل اللقيطة وصل في ظل حكومات نتنياهو ال6 الذروة، وولج بعد 7 تشرين اول / أكتوبر 2023 مرحلة التوحش والانفلات غير المسبوق في ارهابه ودمويته على الشعب العربي الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا، وأطلق العنان لهدف الابادة الجماعية ضده، مما فاقم من انكشاف عدم أهليته نتاج رفضه خيار السلام والتعايش مع شعوب الامة العربية عموما والشعب الفلسطيني خصوصا، مما دفع قطاعات واسعة من الشعوب والأنظمة الغربية تحديدا بالتراجع النسبي عن دعمه، وإعادة نظر تدريجية تجاه المسألة الفلسطينية، والشروع في دعم الحقوق والمصالح الفلسطينية، وتوسيع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتبني سردية الشعب الفلسطيني المشروعة. وبالتالي أخذ المشروع الصهيوني ودولته النازية بالتراجع والانكفاء، رغم الدعم شبه المطلق من الولايات المتحدة وبريطانيا والدول العميقة في الأنظمة الأوروبية الامبريالية، لاعتقادها ان الأداة الإسرائيلية الوظيفية مازالت الأكثر التزاما ونفعا في خدمة مصالحها الحيوية في ظل التحولات الجيو سياسية العالمية مع بداية تشكل منظومة عالمية متعددة الأقطاب، وجيشت إمكاناتها السياسية والديبلوماسية والعسكرية الأمنية لتأمين الغطاء والحماية الكاملة لإسرائيل اللقيطة.
وعطفا على ما تقدم، فإن حكومة الائتلاف الحاكم الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو صعدت من ابادتها الجماعية للشعب الفلسطيني مع دخول الإبادة الجماعية الشهر ال11، وادارت الظهر لميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية وللقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي ولأبسط حقوق الانسان العالمية، وتحدت العالم اجمع، لا بل شرعت بمحاكمة هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها الأممية عموما ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الاونروا”، التي صادق برلمانها (الكنيست) على قرار باتهامها (الوكالة) ب”الإرهاب”، ومازال رئيس حكومة إسرائيل واقرانه في الائتلاف الفاشي يصرون على مواصلة الحرب والابادة الجماعية على الشعب الفلسطيني لنفيه وتطهيره عرقيا من ارض وطنه الام فلسطين.
وارتباطا بذلك، نادى بتسليئيل سموتيريش، وزير المالية النازي الى منع المساعدات الإنسانية عن أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، واعتبر ذلك “مبرر وأخلاقي”، حتى لو تسبب ذلك في إبادة مليوني مدني فلسطيني من الجوع والمرض والقتل بأسلحة الدمار الشامل الأكثر حداثة وتطورا الأميركية والألمانية والبريطانية والفرنسية، نقلا عن موقع “تايمز أوف إسرائيل” يوم الاثنين الماضي (5 آب/ أغسطس الحالي). وكان سبقه لذلك اتيمار بن غفير، وزير ما يسمى “الامن القومي” في فرض التجويع والتعذيب الوحشي المعلن واللا مسبوق ضد أسرى الحرية الفلسطينيين، بانتظار إقرار قانون اعدام الاسرى الفلسطينيين لإبادتهم وقتلهم جميعا.
ومع ذلك لم نسمع أصوات العالم “الحر” ادانت هذه المواقف النازية المنفلتة من عقال القانون الإنساني الدولي، ومن الرأي الاستشاري لحكمة العدل الدولية وقرارات الشرعية الدولية المنادية جميعها بوقف الإبادة الجماعية فورا وبشكل دائم. وان خرجت بعض الأصوات المتناثرة هنا وهناك، فهي أصوات خجولة ولا ترقى لمستوى المسؤولية القانونية والأخلاقية والسياسية، الامر الذي يكشف عن افلاس وسقوط هذا العالم غير الحر. لأنه متواطأ وشريك وقائد الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني وحقوقه ومصالحه الوطنية العليا. والسؤال الى متى سيبقى هذا العالم غير الحر صامتا على الإبادة؟
هذا التطور الخطير يفرض على القيادات الفلسطينية عموما وقيادة منظمة التحرير خصوصا إعادة نظر في برامج المواجهة مع دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية ومن خلفها وامامها الولايات المتحدة الأميركية، وتفعيل الأطر والهيئات القيادية المختلفة للمنظمة وخاصة عقد المجلس المركزي للمنظمة لتنفيذ قراراته المتخذة سابقا واشتقاق رؤى برنامجية نوعية تستجيب لتحديات المرحلة الأكثر خطورة في تاريخ القضية الفلسطينية.

شاهد أيضاً