السياسي – غير معقول أن تكون فلسطين مع أهميتها لملياري مسلم، نظرا لوجود الأقصى المبارك مسرى النبي صلى الله عليه وسلم ومعراجه، بهذا القدر الضئيل من الاهتمام بالنسبة للمسلمين، فغير معقول بأن تتواجد الدولة صاحبة القدس الشريف وفيها قطاع غزة الذي يتعرض لأكبر عملية إبادة جماعية في التاريخ، وسط 22 دولة عربية تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم!
ولا يصح القياس بما حدث للبوسنة والهرسك التي افترستها صربيا الأرثوذكسية بتواطؤ أوروبي حقير، لكنها كانت في قلب أوروبا المسيحية! أما فلسطين التي تحيطها الدول العربية السنية من كافة جوانبها فغير معقول أن تصل الأوضاع فيها إلى تلك الحالة المشينة، والاحتلال الصهيوني جاثم على صدر فلسطين منذ 75عاما والعجز العربي هو عنوان القضية، وغير معقول أن يكون العرب في قمة الذل والمهانة؛ فلا احتلال أنهوه ولا أذى عن شعب غزة وفلسطين رفعوه، ناهيك عن التواطؤ والخيانة الصادرة من البعض في حق الأقصى ورجاله وفي القلب منهم أهل غزة الأبية..
تُرى هل لأن غزة وفي قلبها المقاومة قد انبرت للدفاع عن الأقصى، فقامت بإيقاع الألم في أطراف العدو الغاشم المعتدي على حرمة مسجدنا ومعراج نبينا -معركة سيف القدس نموذجا- دون مساندة من الدول العربية والإسلامية، بل ودون دعم معنوى من المنظمات الرسمية المعنية بالدفاع عن القدس! والتي استمدت عجزها من الأنظمة الحاكمة -منظمتا الجامعة العربية التعاون الإسلامي نموذجا- فكان العقاب لأهل غزة دون مساعدتهم عملا تمارسه الأنظمة كلٌ بحسب قربه أو بعده الجغرافي عن فلسطين وبحسب الدور المرسوم له من سيد البيت الأبيض؟!..
أتراه ذنبا لغزة لأن الله قدر لأهلها أن يقفوا في مواجهة عدو فاجر طلبا لحريتهم وانتصارا لكرامتهم التي يقاضيهم عليها بنو صهيون! فضربوا الحصار عليهم قرابة عشرين سنة من البر والبحر والجو دون أن ترف لهم عين أو تتصدر لرفع الظلم عنهم دولة واحدة عربية كانت أو إسلامية، ناهيك عن التواطؤ من ذوي القربي ممن يسارعون دون خجل إلى تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع دولة الاحتلال، بل ويسخِّرون إعلامهم الفاجر لتشويه صورة المقاومة وتوهين عزيمة رجالها وإلصاق التهم الرخيصة بهم؛ مرة بأنهم يكنزون الأموال والثروات في حساباتهم البنكية، ومرة أخرى بأنهم يعيشون في الخارج مع أبناءهم بالفنادق المكيفة ويتركون سكان غزة بالمحرقة وحدهم؟!..
ما ذنب غزة يا عرب حتى تُمارَس ضدها أفظع الجرائم وأشد عمليات الإبادة فيتصبّحُون ويتمَسُون، صغيرهم قبل كبيرهم وضعيفهم قبل قويهم وأصحاب الحاجات فيهم قبل غيرهم، بأزيز الطائرات وصوت الانفجارات الصادرة من دك الصواريخ وقصف المدفعية، فتشيب لها رؤوس الولدان وتضع لهولها النساء الحوامل في أحشائهن أجِنّة في طور التكوين، وتتحول البنايات الشاهقة إلى ركام والأسواق العامرة إلى خرابات والزراعات الوارفة إلى بوار قبيح؟!..
ماذا كنتم تنتظرون من غزة ورجالها؟! هل كنتم تريدون منهم أن يرضوا بالدنية وأن يصبح همهم هو لقمة الخبز المغموسة في الذل والمهانة؟! هل كنتم تريدون منهم أن يحذوا حذو رجال السلطة ممن ابتلي بهم الشعب الفلسطيني، ورضيت عنهم أمريكا، واستقبلتموهم في صالات كبار الزوار، وأفسحتم لهم المساحات الكبيرة عبر شاشات فضائياتكم
ليتحدثوا عن السلام وعن الحب الكبير الذي جمعهم بزعماء إسرائيل! وعن حكمة الرئيس والأمير وجلالة الملك، وعن العطاء الكبير الذي تبذله دولته من أجل القضية الفلسطينية؟!
ورغم ذلك -وأنتم تعلمون- فقد نأت المقاومة عن التورط في أي سياسة داخلية لأي من الدول العربية، ولم يتعرض رجالها لأي من أنظمة حكمكم بسوء، وأنهم لم يتورطوا في أي حوار صحفي أو متلفز يحسب عليهم، وكان همهم كما أعلنوا دوما: قضيتهم، قدسهم وأقصاهم، أسراهم القابعين في سجون العدو الصهيوني، ورغم ذلك ناصبتموهم العداء! لا أعرف لماذا!، ربما لبغضكم الدفين لمنهجهم! ربما لكراهيتكم أن يكلل نموذجهم بالنجاح!، ربما تقربا منكم للسيد الأبيض! وتقديمكم فروض الولاء والطاعة له! ربما..
أخيرا يا عرب قليلا من المروءة لا يضر! ارحموا آهات المعذبين والمشردين في غزة لا سيما الأطفال والنساء ممن تقطعت بهم السبل وهاموا على وجوههم دون مأوى أو ملجأ، قدموا لهم، وهم إخوانكم في العروبة والدين والدم، بعضا من بعض موائدكم الفاخرة والعامرة بما لذ وطاب والتي تلقون بالكثير منها في سلات القمامة!، افعلوها مروءة ورحمة إن لم تفعلوها ديانة! فالله لن يسامحكم على ما اقترفتموه في حق غزة وأهلها..