باعة إيرانيون يقصدون جنوب العراق بحثاً عن الرزق

بسبب الأزمة..

السياسي -24 – أ ف ب- وكالات

يجتاز علّاوي، على غرار عشرات الباعة الإيرانيين، كل يوم جمعة، حدود بلاده عبر معبر الشلامجة إلى مدينة البصرة العراقية، ليبيع الخضار في سوق شعبية، هرباً من أزمة اقتصادية حادّة وتبعات العقوبات الأمريكية على إيران.

منذ بزوغ الفجر، يفرش باعة إيرانيون بضاعة رخيصة الثمن منها الدجاج المجمّد، والبيض، والخضار، وزيوت الطعام، وقشطة “القيمر” كما تُسمّى في العراق، على رصيف شارع رئيسي وسط مدينة البصرة الجنوبية. ويقول علّاوي، 36 عاماً، الذي لم يكشف كنيته، إن “الوضع صعب في الجانب الإيراني”، موضحاً “علينا حصار”.

منذ 7 أعوام، يبيع علاّوي وهو أب لطفلَين، بضاعته في البصرة، مشيداً بجودة المنتجات الإيرانية، من التمور، واللبن التي يبيعها في الشتاء، إلى البامية في فصل الصيف.

ويكسب علّاوي 50 إلى 75 ألف دينار عراقي (38 إلى 50 دولارا) في اليوم، ما يساوي “مبلغاً كبيراً في إيران” يكفيه “مدة 5 إلى 7 أيام”.ويشير إلى أنه حاول كثيراً بيع الفاكهة في سوق في منطقته بمحافظة خوزستان الإيرانية، لكن “السوق ضعيفة والسلع تتلف فنرميها ونخسر”.

شريان حياة
فمنذ 2018، ترزح إيران تحت وطأة عقوبات أعادت واشنطن فرضها بعدما انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل أحادي الجانب من الاتفاق الدولي على برنامج إيران النووي.

ومذاك لم يتمكن الاقتصاد الإيراني من التعافي مع تسجيل تضخم جامح وتراجع حادّ في سعر صرف الريال الإيراني في مقابل الدولار.

وفي مارس (آذار)، ارتفعت أسعار السلع في إيران بأكثر من 32.5% على أساس سنوي، حسب مركز إيران الإحصائي وهو هيئة رسمية. وبلغ سعر صرف الدولار في السوق السوداء، 1 مليون ريال إيراني تقريباً في الشهر نفسه.

ودفعت هذه الأزمة عشرات الباعة الجوالين الإيرانيين إلى السفر بعد منتصف ليل كلّ خميس إلى البصرة، في رحلة تستمر ساعات عدة.

على رصيف غزاه الغبار، تنتشر بضائع في صناديق بلاستيكية، أو أكياس رز، ويجلس باعة فيما ينام آخرون ملحفين ببطانيات أو قطع كرتون، قرب صناديق وحقائب سفر وأكياس بلاستيكية كبيرة لحمل البضائع.

يؤكد الباحث في مركز “تشاتام هاوس” حيدر الشاكري أن هذه الظاهرة القديمة “تزايدت إلى حدّ كبير خلال العقد الماضي مع تزايد تأثير العقوبات على الحياة اليومية في إيران”. ويرى أن “هذه التجارة العابرة للحدود قد تكون ربما بالنسبة للكثير من الإيرانيين، شريان حياة حيوياً”، مضيفاً “يوفّر كسب الدخل بعملات أكثر استقراراً مثل الدينار العراقي، أو حتى الدولار الأمريكي، حماية مالية ضد التضخم الحاد وتراجع قيمة العملة”.

وغالبية الباعة المتجولين أطفال من أبناء الطبقة العاملة من مناطق الأهواز، وخرمشهر، وعبادان، وهي مناطق إيرانية حدودية مع العراق يتحدث الكثير من سكانها  العربية و”يشتركون في روابط ثقافية مع جنوب العراق”، حسب الشاكري.

وتأثر عدد كبير من النساء وكبار السنّ إضافة إلى العاطلين عن العمل، “بشدّة بالتضخم والترهل الاقتصادي في إيران”، وفق المحلل.

أسعار رخيصة
وتشكّل إيران، إضافة إلى دورها المهم في المشهد السياسي في بغداد، شريكاً اقتصادياً كبيراً للعراق الذي يُعدّ ثاني أكبر مستورد للمنتجات الإيرانية غير النفطية. وقد تخطى حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين 10 مليارات دولار.

ويعبر ميلاد، 17 عاماً، ووالدته أسبوعياً منذ عامَين، الحدود نحو العراق حتى انتهى بهما الأمر في الشهر الماضي إلى استئجار محل تجاري متواضع في وسط البصرة. ويرى الشاب الذي يشجّع نادي برشلونة الاسباني لكرة القدم، أن “العمل صعب والعملة ضعيفة” في إيران، ويقول الشاب الذي ترك الدراسة إن ابن عمه “الذي أنهى دراسته لم يجد عملاً بعد”. من جانبه، يقصد أبو أحمد، 55 عاماً، المتحدّر من البصرة كل جمعة هذه السوق بحثاً عن منتجات بـ”أسعار رخيصة”.

ويقول الأستاذ في الرياضيات “إن الإيرانيين يجلبون مواد رخيصة نستفيد منها”. فكيلوغرام “البامية هنا ثمنه 6 آلاف دينار” أي حوالى 4 دولارات. أمّا في الزبير على أطراف مدينة البصرة “فسعرها نحو 20 ألفاً” (15 دولاراً تقريباً). ويمازح قائلاً: “حتى قشطة القيمر التي يبيعونها أفضل من الموجودة في السوق العراقية”.

غير أن الشاكري يرى أن الحالة أشبه بمنافسة غير عادلة إذ “لا يشعر الباعة المحليون أحياناً بالرضا عن المنافسة، حتى أن قوات الأمن العراقية تحاول إخراج الباعة الإيرانيين، لكنهم يعودون”. ويشتكي كثير من الباعة من معاملة سيئة عند عبور الحدود، بينهم أمّ منصور، 47 عاماً، التي تحقق في البصرة “أربعة أضعاف ما تكسبه في إيران” حيث “لا سبل للعيش”.