هل انتخاب أو إعادة تشكيل المجلس الوطني أولوية الأن؟

د. ماهر عامر

في ظل استمرار حرب الابادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري في قطاع غزة والضفة الغربية وفي ظل تغول الاستيطان ومحاولات تقويض مؤسسات السلطة الفلسطينية، وفي غياب الرؤية الاستراتيجية الموحدة، ما زالت قيادة المنظمة والسلطة تفتقد الى خيارات وبدائل للمواجهة الشاملة لهذه الحرب التي تستهدف الكل الفلسطيني والمشروع الوطني بالاستناد الى استراتيجة واضحة ووحدة موقف في الميدان والسياسية، واحيانا تتخذ قرارات تشير الى انفصالها عن الواقع، في ظل المشهد الدامي في قطاع غزة والضفة الغربية الذي أثار انتفاضة عالمية في الشوارع والساحات، كاشفاً بوضوح ماهية المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة.والذي اصبح واضحا ولا يقبل التأويل برفض قيام دولة فلسطينية مستقلة بل برفض أي مظهر من مظاهر السيادة على الارض الفلسطينية وهذا السلوك ترافق مع وقائع وسياسات على الارض من قبل حكومة اليمين المتطرف الصهيونية وبدعم لا محدود من قبل الادارة الامريكية.

الامر الذي يتطلب الارتقاء الى مستوى التضحيات الجسام التي قدمها ويقدمها شعبنا الفلسطين في ملحمة اسطورية لتجسيد حقه المشروع في اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئيين، من خلال الحوار الوطني الجامع وصولا الى وحدة وطنية تصون هذه الحقوق وتعمل على التصدي والمواجهة لسياسات الاحتلال ومستوطنيه. وهناك ارضية جاهزة للحوار ومتفق عليها من قبل الجميع وهي اتفاق بكين.

أن الدعوة الى انتخاب مجلس وطني في ظل هذه الظروف ليس سوى قفز بالهواء والقول تحت بند انا موجود ولكن الواقع والحقائق تشير الى وضع هش ضعيف ولا يمتلك رؤيا واضحة في وقت تتآكل فيه المشروعية الشعبية والسياسية لقيادة المنظمة ، الانتخابات مطلب شعبي ووطني ولكن في ظل توفر الظروف الميدانية والسياسية الجامعة لذلك، والمطلوب اولا وحدة وطنية تقطع الطريق على كل محاولات المس بالقرار الفلسطيني.

حيث أن الانتخابات وفقا للمرسوم الرئاسي تعني الوصول الى عدم اجراء الانتخابات وذلك تحت ذرائع وحجج سابقة ولاحقة عدم اجراءاها الإ بالموافقة الاسرائيلية في القدس، هذا من جهة ومن جهة أخرى أن تحديد سقفها بمدة زمنية قبل نهاية عام 2025 وهذا غير ممكن من الناحية العملية اصلا لاعتبارات تتعلق بالتحضيرات الادارية واللوجستية الصياغية، وثالثا تجاهل الوضع في قطاع غزة المكلوم والضفة اضافة الى غياب الرؤيا الموحدة بين اطياف منظمة التحرير. وبالتالي فأن المقصود من المرسوم هو الوصول الى مجلس وطني وفقا لمقاييس معينة وليس مجلس وطني فاعل وممثل لكافة اطياف الشعب الفلسطيني. سؤال أخر يطرح نفسه:في ظل الدور الفاعل لشعبنا في المهجر(الجاليات والاتحادات) والشتات(مخيمات اللجوء) هل يعقل أن يتم تقليص عضوية المجلس الوطني الفلسطيني ليشمل ثلثيها فقط من الداخل الفلسطيني بينما يقتصر الثلث الآخر على الخارج والشتات؟ هذا التوزيع يشكّل تغييب واضحاً لنصف الشعب الفلسطيني المُهجرعن وطنه وتجاهل لقرار المجلس الوطني الذي لا يمكن تجاهله. ذلك يظهر جلياً في المرسوم الصادر عن الرئيس عباس والذي ينص على أن المجلس الوطني يتكون من 350 عضواً، منهم ثلثا الأعضاء يمثلون الداخل الفلسطيني، والثلث الآخر يمثلون الخارج.

والاساس ان يكون أي اجراء لاعادة تشكيل او انتخاب للمجلس الوطني ارضيته هي الوحدة واعادة الاعتبار الى المنظمة وليس تجسيد الانقسام والفرقة وتعميق الخلاف وانعدام الرؤيا.فالمجلس الوطني الفلسطيني شكّل في محطات مفصلية منصة للمواجهة ووضع السياسات التي كانت على صلة وثيقة بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة. ولكن منذ اتفاقية أوسلو وما تبعها من نتائج سلبية، انحرف مسار هذا المجلس. بدلاً من أن يكون منصة تمثل كل الفلسطينيين أينما وجدوا، وتُعبّر عن روح منظمة التحرير كائتلاف وطني واسع يضم كافة الأطياف، فقد ابتعد دوره عن هذا التوجه. وانحصر بدور استخدامي في بعض المحطات لاضفاء الشرعية على بعض القرارات وفي احسن الاحوال سد الفراغات في اللجنة التنفيذية وحتى هذه المهمة في المحطات الاخيرة تم تحولتها الى المجلس المركزي، فالبعض تناسى أننا لا نزال حركة تحرر وطني وأن الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه يواصلون نهب أراضي فلسطين وانتهاك حقوق شعبها.

فالمنظمة بحاجة إلى إصلاح شامل وإعادة النظر في سياساتها السابقة لوضع استراتيجية وطنية موحدة. منظمة التحرير الفلسطينية جبهة وطنية عريضة يفترض أن تكون هيئة ائتلافية شاملة قائمة على التوافق والحوار وليس الإقصاء وفرض الآراء بشكل أحادي. الأهم في هذه المرحلة التمسك ببرنامجها الوطني كونه برنامج اجماع ولا يحتمل أي تنازلات او تراجع عنه، وكذلك مطلوب الالتزام بقرارات المجلس الوطني لعام 2018 والمجلس المركزي لعام 2022، وهي قرارات لم تُفعّل أو تؤخذ بعين الاعتبارمن قبل قيادة المنظمة والسلطة الفلسطينية. في ظل استهداف المشروع الوطني الفلسطيني بشكل كامل، لا بد من إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير ومؤسساتها وتعزيز دورها بين صفوف الشعب الفلسطيني المُهجر. فالمطلوب حوار وطني شامل يضم جميع الأطياف الفلسطينية للتوصل إلى آليات عملية لتفعيل اتفاق بكين الذي وقّعت عليه كافة الفصائل الفلسطينية بهدف تشكيل حكومة توافق وطني والاتفاق على استراتيجية للمواجهة والصمود التي أصبحت ضرورة للحفاظ على الأرض والشعب، إضافة إلى وقف حملات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري وغير القسري الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي. يجب العمل على حماية الأرض من توسع المستوطنات وهجمات عصابات الاحتلال وتعزيز صمود المواطن على أرضه، وبعد ذلك العمل للوصول الى انتخابات ديمقراطية شاملة لبناء مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني بما يصون وحدالصف وتماسكه.