السياسي – كشفت تأشيرة بريطانية تعود إلى عام 1941 أن ديفيد بن غوريون، وهو أوّل رئيس وزراء لدولة الاحتلال الـ”إسرائيلي”، كان مُسجَّلًا آنذاك كمواطن فلسطيني، وذلك بموجب وثائق الانتداب البريطاني.

وتُظهر الوثيقة التاريخية المتداولة منح بن غوريون، الذي وُلد في بولندا، تأشيرة عبور بريطانية لرحلة واحدة إلى الهند، حيث كان يُعامَل قانونيًا بصفته مواطنًا فلسطينيًا وفق القوانين المعمول بها في تلك الفترة، وهو الشخص نفسه الذي أصبح لاحقًا أول رئيس وزراء لإسرائيل بعد قيامها، وهو أيضًا كان زعيمًا لعصابة الهاغاناه، والتي شاركت في المذبحة الوحشية لدير ياسين عام 1948 وطُرد على إثرها آلاف الفلسطينيين من منازلهم.
بن غوريون، ديفيد
ولد العام 1886 في فلونسك – بولندا، تلقى دراسته الأولية في كتّاب يهودي كان والده المحامي أنشأه من قبل، ثم اهتم والده بتعليمه لغات ومواضيع عامة بشكل دروس منزلية خاصة.
تأثر بن غوريون من والده الذي كان من طلائعيي (محبي صهيون)، وكان لوالده ميول لأفكار صهيونية، تركت أثرها على بن غوريون.
ولما بلغ الرابعة عشرة من عمره أعلن عن تأسيس جمعية يهودية باسم (عزرا) على اسم عزرا الكاتب زعيم العائدين من سبي بابل، وأعضاء هذه الجمعية وفي مقدمتهم بن غوريون أعلنوا أنهم سيتحدثون فيما بينهم باللغة العبرية فقط، انتقل بن غوريون إلى وارسو حيث عمل في التدريس في مدرسة يهودية ولما يبلغ الثامنة عشرة من عمره. اشترك العام 1905 في المؤتمر الأول لحزب (بوعالي تسيون) (عمال صهيون) الذي انعقد في بولندا.
-خطط لإقامة قوة عبرية مسلّحة
وصل بن غوريون إلى ميناء يافا في فلسطين العام 1906، وتنقل بين المستوطنات، ثم عمل تنظيم العمال للتمرد، وأقام منظمة حراسة عبرية عرفت بـ (هشومير) (الحارس)، وشرع أعضاء هذه المنظمة في التفكير والتخطيط لإقامة قوة عبرية مسلّحة، قبل أن يتوجه إلى اسطنبول لدراسة الحقوق فيها بدافع الحاجة إلى محامين يهود يتولون الدفاع عن قضايا ودعاوى تتعلق بحياة اليهود في المستوطنات اليهودية المختلفة، وعند اندلاع الحرب العالمية الاولى كان بن غوريون في فلسطين في إجازة، فقرر ترك مقاعد الدراسة والانضمام إلى مساعدة اليهود في المستوطنات،
عند عودته إلى فلسطين العام 1918 ركز جهوده في العمل، وكان من مؤسسي حزب (أحدوت هعفودا) (اتحاد العمل) ومن زعمائه طيلة سنوات وجوده. أصبح السكرتير العام لمنظمة العمال الهستدروت منذ العام 1921، وسعى إلى إقامة تنظيم عمالي، ومثل منظمة العمال في مؤسسات الحركة الصهيونية والييشوف، ومثل الهستدروت العام 1924 في المعرض الزراعي الكبير الذي أُقيم في موسكو، حيث تم رفع العلم الصهيوني لأول مرة في الاتحاد السوفييتي.
تمكن بن غوريون في التوسط لدى السلطات السوفييتية في تخفيف حكم النفي إلى سيبيريا عن بعض اليهود واستبداله بالسماح لهم بترك الاتحاد السوفييتي والهجرة الى فلسطين، وتزعم بن غوريون حزب (المباي) بعد أن تمت الوحدة بين حزبي (أحدوت هعفودا) و(هبوعيل هتسعير)، وكان عضواً في (الفاعاد هلئومي) في فلسطين وعضو الجناح السياسي في الوكالة اليهودية.
-تنظيم سريع ومكثف لهجرة اليهود إلى فلسطين
انتخب بن غوريون رئيساً للإدارة الصهيونية في المؤتمر الصهيوني التاسع عشر لعام 1935 وأيضاً رئيساً لإدارة الوكالة اليهودية في القدس حتى قيام اسرائيل، ولما أصدرت الحكومة البريطانية (الكتاب الابيض) العام 1939 والذي حدّ من الهجرة اليهودية إلى فلسطين، قال بن غوريون: “لن نتنازل ولن نتراجع بكل ما في الكلمة من معنى”، وعليه لجأ إلى تنظيم سريع ومكثف لهجرة يهود إلى فلسطين بدون تصاريح رسمية من الحكومة البريطانية المنتدبة على فلسطين. وايضاً سعى إلى إقامة مستوطنات في المناطق التي مُنِع اليهود من الوصول إليها.
وأعلن بن غوريون عند اندلاع الحرب العالمية الثانية أن اليهود سيقفون إلى جانب بريطانيا في حربها ضد هتلر والنازية لأنهما عدو مشترك، وقال جملته المشهورة: “علينا محاربة النازيين وكأن الكتاب الأبيض غير موجود، وأن نحارب الكتاب الابيض وكأنه لا توجد حرب ضد النازيين”، وأعلن ذلك على أمل أن بريطانيا التي منحت اليهود تصريح بلفور ستسعى بعد أن تضع الحرب أوزارها إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين.
-خاض حرب تطهير ضد الفلسطينيين أمام أنظار البريطانيين
انتخب خلال المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرين وزيراً للدفاع إلى جانب رئاسته لإدارة الصهيونية العامة، حيث قام بتحضير القوات اليهودية المختلفة لبدء الهجوم على العرب الفلسطينيين مباشرة بعد صدور قرار التقسيم، ولما أصدرت الأمم المتحدة قرارها بتقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947 فإن بن غوريون تزعم النشاط السياسي والعسكري من أجل تنفيذ هذا القرار، حيث اندلعت حرب في فلسطين شنتها العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين في كافة القرى والمدن الفلسطينية دون اي تدخل من القوات البريطانية التي ما زالت موجودة في فلسطين ولم تخرج منها بعد.
وهو نفسه وضع نص اعلان استقلال اسرائيل وأعلن قيام دولة اسرائيل في 14 آيار/مايو 1948، وحينها دخلت في حرب مع العرب، تمكنت خلالها جيوش اسرائيل من تحقيق سلسلة من الانتصارات العسكرية على الجيوش العربية، وبالتالي وسعت من رقعة المناطق التي أصبحت تحت نفوذها.
وبن غوريون هو رئيس الوزراء الأول لاسرائيل منذ 1948 حتى 1954، وكذلك اشغل منصب وزير الدفاع، ولكنه قرر الاعتزال العام 1954 حيث توجه للعيش مع زوجته باولا في كيبوتس سديه بوكير في النقب، إلا أنه عاد إلى الحلبة السياسية العام 1955. ونجح في انتخابات الكنيست الثالثة وعاد ليشغل منصب رئيس الحكومة إلى العام 1963 عندما أعلن نهائياً عن اعتزاله الحياة السياسية.
-أسس جيش الاحتلال من نواة العصابات الصهيونية
واثناء توليه وزارة الدفاع قام بتفكيك عصابات (الايتسل) و(الليحي) و(البالماح) وأعلن عن اقامة (جيش الدفاع الاسرائيلي)، وأيضاً اهتم بن غوريون بتنظيم هجرات يهودية واسعة من كل مناطق التواجد اليهودي لبناء دولة يهودية في فلسطين، وعلى اشلاء الشعب الفلسطيني الذي تعرض إلى التهجير والتشتيت.
وأظهر بن غوريون خطاً سياسياً متشدداً مع الدول العربية، حيث رفض الانسحاب من الأراضي التي احتلتها إسرائيل والتي كانت خارج حدود قرار التقسيم، واتبع خطاً سياسيا متشدداً في مجال منع العرب الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم، كما أنه عارض تدويل القدس، وخاض العدوان الثلاثي على مصر إلى جانب كل من بريطانيا وفرنسا.
-أيد بقاء الحكم العسكري مفروضاً على العرب في اسرائيل
أما على الصعيد الداخلي فإنه أظهر اهتماما بالغاً في إزالة التنوع بين اليهود والسعي إلى خلق مجتمع موحّد الصفات والمكونات. ونادى بالحفاظ على الوضع القائم بين المتدينين والعلمانيين اليهود، وكان من بين المؤيدين لبقاء الحكم العسكري مفروضاً على العرب في اسرائيل.
وبعد حرب 1967، دعا بن غوريون إلى هدم أسوار القدس وطالب بانسحاب القوات الاسرائيلية من الأراضي التي احتلتها، ولكنه بعد فترة أطلق تصريحات مناقضة، وانتخب للكنيست السابعة في القائمة الرسمية، ولكنه بعد سنة استقال وأعلن اعتزاله الأخير من الحياة السياسية، توفي بن غوريون العام 1973 ودفن في سديه بوكير، وأُطلق اسمه على مطار اللد وعلى شوارع ومؤسسات كثيرة داخل دولة الاحتلال، منها جامعة بن غوريون في النقب.






