يتوجه الإيرانيون، في 28 من حزيران الحالي، إلى جولة انتخابية أولى لاختيار رئيس لهم بعد وفاة إبراهيم رئيسي، الرئيس السابق، في حادث جوي لا يزال ملتبس الأسباب، وسيتم اختيار واحد من ستة مرشحين اعتُمدوا بطريقة غامضة من بين 80 مرشحًا، إذ استُبعد 74 مرشحًا معظمهم قادة سابقون كبار في الدولة و”الحرس الثوري” وقادة دينيون، لم تشفع لهم مكانتهم السابقة في قبول ترشحهم، وأبرزهم الرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد.
تجرأت امرأة واحدة على الترشح هي زهرة إلهيان، ورفضها مجلس صيانة الدستور، إذ لم تتم الموافقة على تنصيب أي امرأة في منصب وزاري أو أعلى خلال 45 عامًا من استيلاء الملالي على الحكم في إيران.
أبرز المرشحين لمنصب الرئاسة الإيرانية، والذي سيتحكم مع المرشد بقرارات النظام السوري ويتدخل بمفاوضات النظام مع تركيا والدول العربية وغيرها، هو رئيس مجلس النواب، محمد باقر قاليباف، الذي يبدو أكثر ثقة بنفسه حتى الآن من بقية المرشحين، ويتقدم على سعيد جليلي، رئيس مجلس الأمن القومي ورئيس الوفد المفاوض في ملف إيران النووي سابقًا.
وقد بدأ اثنان من المرشحين التلميح إلى احتمال انسحابهما لمصلحة المرشح الأكثر قبولًا من المرشد، إذ إن وجود مرشح واحد فقط للإصلاحيين قد يهدد وحدة أصوات الجناح الأصولي ويشتت طاقاتهم في فرض رئيس من بين خمسة مرشحين في الجناح المتشدد.
توحد خلف المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان دعاة الإصلاح، من أمثال الرئيس السابق حسن روحاني وطواقمه الإصلاحية، وكذلك أتباع الرئيس السابق محمد خاتمي الذي لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة في الأوساط الإيرانية، وقد اضطر مجلس صيانة الدستور والتيار المتشدد إلى قبول مرشح إصلاحي بسبب خطر مقاطعة الانتخابات الرئاسية، وانخفاض نسبة الإقبال على التصويت، ما يهدد سمعة النظام ويجعله عرضة لتجدد الثورات التي لم تنقطع، وآخرها ثورة نساء إيران المطالبات بحريتهن وبعدم إجبارهن على لبس الحجاب.
في المناظرة التلفزيونية التي جرت في 17 من حزيران الحالي بين المرشحين الستة، وبعد التملق للمرشد، تم التركيز على الاقتصاد وتدهور قيمة العملة وانخفاض مستوى معيشة الإيرانيين، متجاهلين ضعف أداء أجهزة الدولة المشغولة بالغزو الخارجي أكثر من انشغالها بدعم اقتصادها وإنتاجيته ورفاهية مواطنيها.
الحصار الغربي خنق الاقتصاد الإيراني، إذ يعتبر الغرب إيران دولة مارقة وترافق كوريا الشمالية في زمالة التلويح بالصواريخ والقنابل والطائرات المسيرة، بالإضافة إلى عدوانية “الحرس الثوري” وانتشار ميليشياته الطائفية في الإقليم.
ولا ننسى ضعف التبادل الاقتصادي مع الكثير من الدول العربية، إذ صارت الدول المحيطة بإيران تخاف على أمنها، وعلى استمرار أنظمتها، بعدما سقطت أربع دول عربية بيد الملالي، فهم يتدخلون في العراق وسوريا وإيران واليمن.
ويطالب هؤلاء القادة علنًا بإعادة البحرين كمحمية إيرانية، كما كتب وزير الخارجية السابق، حسين أمير عبد اللهيان، في مذكراته التي ترجمت إلى العربية، قبل سنة من وفاته في الحادث الجوي برفقة الرئيس السابق، إبراهيم رئيسي، وهي بعنوان “صبح الشام”، التي اعتبر فيها أن تنازل شاه إيران عن البحرين كان خطأ كبيرًا ويجب تصحيحه.
وقد استرسل في مذكراته وهو يكرر الادعاءات الإيرانية عن حماية سوريا ونظام الأسد من أجل انتصار محور المقاومة، الذي تسبب بتهجير نصف الشعب السوري وتدمير البلاد واستجلاب التدخل الروسي. ويضيف عبد اللهيان في مذكراته أنه كان صاحب هذه الفكرة، وهو من أقنع الروس بها، بعد تصويت مجلس الأمن القومي الإيراني على اعتمادها وبدعم من قاسم سليماني.
ويجب القول إن نظام الملالي لديه هامش قليل من الاختيار، وهذا الهامش شبه مفقود في معظم الدول العربية، ففي سوريا اختفى حق الاختيار وضاع مع ثورة “البعث”، وبعدها مع تسلط نظام الأسد الذي اخترع جهازًا سياسيًا مشوهًا اسمه “الجبهة الوطنية التقدمية”، يقوم بدور يشبه دور مجلس “صيانة الدستور” الإيراني، ولكن بلا أي هامش للمنافسة أو اختيار للرئيس أو لأعضاء البرلمان. والهامش مفقود أيضًا في الكيانات العسكرية- الدينية التي نشأت في شمالي سوريا، فهي تحمل نفس قيم التسلط على السوريين، والاستخفاف بالمرأة ومنع حريتها في اختيار لباسها وأفكارها.
يتجاهل السوريون الانتخابات الإيرانية في نقاشاتهم، سواء من جهة المعارضة التي تعتبر إيران كارثة سياسية على الثورة وعلى سوريا، أو من قبل النظام الذي يعتبر نفسه علمانيًا، ولكنه يتناسى تبعيته الشديدة لملالي إيران منذ أن رفض التحاور مع السوريين من بداية الثورة إلى اليوم.
السؤال الذي يظل معلقًا هو لماذا لا يهتم السوريون بمتابعة الانتخابات الإيرانية ودراسة تداعياتها على مستقبلهم وعلى الحل السياسي المنتظر، خاصة أن تسريبات تفيد بأن مفاوضات تركيا القادمة مع النظام ستكون في العراق الذي يخضع بدوره لأهواء إيران ولسياسات رئيسها القادم.