السياسي – في نفس اليوم الذي أقيم فيه حفل افتتاح الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس 2024، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسالة فيديو ناشد فيها البلدان من جميع أنحاء العالم “إلقاء أسلحتها” بروح الهدنة الأولمبية، وهو قرار للأمم المتحدة يظهر بانتظام كل عامين مع اقتراب الألعاب الأولمبية، حسب ما ذكره تقرير لمجلة “ذي نيشين” الأمريكية.
ولفتت المجلة في تقريرها أن غوتيريش حث الناس على “بناء الجسور. وتعزيز التضامن. والسعي لتحقيق الهدف النهائي: السلام للجميع”.
وبعد أقل من 24 ساعة، شنت القوات الإسرائيلية غارات جوية على مدرسة بالقرب من دير البلح في وسط غزة، ما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 30 فلسطينيا نازحا يبحثون عن مأوى، وإصابة أكثر من 100 آخرين.
وفي ذلك المساء بالذات في باريس الأولمبية، ومع هذه الجريمة الحربية المروعة حاضرة في الأذهان، نزل فريق كرة القدم الإسرائيلي للرجال إلى الملعب للعب ضد باراغواي في ملعب بارك دي برينس.
وفقا للتقرير، فإن الأجواء قبل المباراة كانت متوترة، وكانت قوات الأمن في حالة تأهب قصوى. تبدو باريس بالفعل وكأنها مؤتمر عسكري، لكن المنطقة المحيطة بالملعب كانت محصنة بشكل خاص.
شكل مسؤولو الأمن، الذين يحمل العديد منهم أسلحة عالية الجودة، محيطا مزدوجا حول الملعب، وطالبوا بالهويات وفحصوا كل شخص مرتين، مرة منها بتفتيش جسدي قوي كما يمكننا أن نشهد.
فازت باراغواي بالمباراة 4-2، بهدفين مثيرين في الوقت بدل الضائع. لكن “إسرائيل” حققت انتصارها الخاص لمجرد وجودها هناك في المقام الأول. إنه فوز دعائي هائل لإسرائيل ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن تتنافس إسرائيل في هذه الألعاب على الإطلاق، حسب التقرير.
أدت الهجمات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة إلى دعوات من جانب المدافعين عن حقوق الإنسان لمعاقبة “إسرائيل” أو منعها من ممارسة الرياضة. ولكن اللجنة الأولمبية الدولية تخلت عن مسؤوليتها وأطلقت العنان لعبارات مبتذلة. فقد قال رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ: “نحن لسنا في مجال السياسة. بل نحن هنا لإنجاز مهمتنا المتمثلة في جمع الرياضيين”.
ذكر التقرير أن هذا الجُبن مذهل، وخاصة أن اللجنة الأولمبية الدولية فرضت عقوبات على روسيا، فأرغمت نحو عشرة رياضيين مشاركين هنا في باريس على المنافسة باعتبارهم “رياضيين محايدين فرديين”، ومنعت العديد من الرياضيين الآخرين من المشاركة لأنهم تلقوا تدريبهم من خلال الجيش الروسي. فكيف تختلف إسرائيل عنهم؟.
كتب الصحفي كريم زيدان مؤخرا: “من بين الرياضيين الإسرائيليين الثمانية والثمانين المشاركين في أولمبياد باريس، أيد ما لا يقل عن ثلاثين منهم علنا الحرب والجيش الإسرائيلي. وقد عمل بعضهم كدعاة ومتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي أكد على مكانتهم كرموز للقوة الصارمة التي تتمتع بها إسرائيل على الساحة العالمية”.
تجدر الإشارة إلى أن كل إسرائيلي يخدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي، والرياضيون المتميزون، رغم أنهم في بعض الأحيان قادرون على تأجيل الخدمة، إلا أنهم ليسوا مُعفون منها، وفقا للتقرير.
لفت التقرير، إلى أن اللجنة الأولمبية الدولية تفرض عقوبات على روسيا لأنها استولت على الأراضي الأوكرانية التي تضم “منظمات رياضية إقليمية تخضع لسلطة اللجنة الأولمبية الوطنية في أوكرانيا” ثم استولت على تلك المنظمات. ومع ذلك، قصفت إسرائيل أيضا المرافق الرياضية، وقتلت عددا لا يُصدق من الرياضيين والمدربين (بما في ذلك الرياضيين الأولمبيين)، وحتى حولت ملعب اليرموك التاريخي في غزة إلى معسكر اعتقال مؤقت وغرفة استجواب. وملاعب كرة القدم في غزة أصبحت غير صالحة للعب.
وأضاف أن وجود “إسرائيل” هو مثال رئيسي على “غسيل الرياضة”، وهو عندما تستخدم الكيانات السياسية الرياضة والمسابقات الرياضية الدولية مثل الألعاب الأولمبية للتغطية على الجرائم. وهذا يساعد في إضفاء الشرعية على انتهاكات حقوق الإنسان، بل وحتى تمجيدها.
كان غسيل الرياضة واضحا في مباراة كرة القدم التي أقيمت في بارك دي برانس. وقف الملعب المزدحم للنشيد الوطني الإسرائيلي. ورفع أعضاء فريق باريس 2024 علما إسرائيليا كبيرا بجانب فريقهم، الذين يمكن رؤيتهم وهم يغنون بفخر على الشاشة الكبيرة. ولقد لوحت أعداد كبيرة من المشجعين، بما في ذلك قسم مزدحم من المشجعين باتجاه الزاوية خلف أحد الأهداف، بالأعلام الإسرائيلية بحماس. وترددت أصداء هتافات “إسرائيل” في الاستاد، وفقا للتقرير.
ولم يتحقق هذا دون بعض العلامات المرئية على المعارضة. فعلى الرغم من الإجراءات الأمنية المشددة، رفعت مجموعة صغيرة من الناشطين داخل بارك دي برانس لافتة ضخمة كتب عليها “أولمبياد الإبادة الجماعية”. ولوح آخرون، وفقا للصحفية ليلى حامد، بالأعلام الفلسطينية.
وفي أمريكا الشمالية، ربما تحظى الفضيحة التي تورط فيها فريق كرة القدم الوطني النسائي الكندي باستخدام مسيرات لمراقبة خصومهم بتغطية واسعة النطاق، ولكن هنا على أرض الواقع في باريس، فإن إدراج “إسرائيل” في الألعاب الأولمبية يحظى بمزيد من الاهتمام. فالكتابات الغرافيتي المؤيدة للفلسطينيين ــ “تحيا فلسطين” و”غزة حرة” ــ منتشرة في كل مكان في المدينة.
وقال التقرير إنه خلال حفل افتتاح باريس 2024، الذي شاهدناه في حانة باريسية مزدحمة، كان أكبر هتاف، إضافة إلى أداء سيلين ديون الحماسي لأغنية إديث بياف الكلاسيكية “L’Hymne à l’Amour”، عندما ظهر الرياضيون الأولمبيون الفلسطينيون على الشاشة عائمين على متن قارب في نهر السين.
قد تكون اللجنة الأولمبية الدولية، وآلاف الكتاب الرياضيين الذين يغطون الألعاب، يحولون أنظارهم إلى حد كبير عن قضية فلسطين، ولكن ليس الناس العاديين في المدينة المضيفة، وبالتأكيد ليس الناشطين السياسيين، حسب التقرير.
في مباراة “إسرائيل” وباراغواي، تجول رجل على كرسي متحرك كهربائي على طول مستوى الملعب مع العلم الفلسطيني ملفوفا حول جسده. كيف تمكن من اجتياز الأمن هو لغز. ولكن نيته، ونية الآلاف من المعارضين في جميع أنحاء باريس، ليست لغزا، وفقا للتقرير.