قراءة تمرد سدي تيمان

عمر حلمي الغول

ما بين معتقل سدي تيمان الأكثر وحشية وسادية ومعسكر “بيت ليد” حيث مقر المحكمة العسكرية حدث صدام بين ضباط وجنود الشرطة العسكرية الإسرائيلية وقطعان المستعمرين من “الخارجين على القانون”، وميليشيات شباب التلال والبلطجية ومجموعات ميليشياوية صهيونية أخرى، حسب وصف محللون اعلاميون اسرائيليون أول أمس الاثنين 29 يوليو الحالي بعد اقتحام حشد من تلك الجماعات للمحكمة ومحيطها ردا على استدعاء والشروع في محاكمة 9 جنود شاركوا في جريمة اعتداء جنسي على أسرى الحرب الفلسطينيين، وشارك في الهجوم عدد من وزراء ونواب حزب “عوتسماه يهودا” بزعامة ايتمار بن غفير و”الصهيونية الدينية” بزعامة بتسليئيل سموتريش. وفي اعقاب ذلك وجه وزير الحرب، غالانت رسالة لبنيامين نتنياهو صباح أمس الثلاثاء وفق مواقع عبرية، هاجم فيها الوزراء وأعضاء الكنيست الذين شاركوا في الاحداث، وطالب الحكومة بالتحرك ضدهم. واتهم وزير ما يسمى وزير الامن القومي، بانه قد منع أو أخر الشرطة من التحرك ضد مثيري الشغب في قاعدتي سدي تيمان وبيت ليد.
وأضاف “إن دعم ومشاركة المسؤولين المنتخبين في أعمال الشغب في قواعد الجيش، مع إصدار تصريحات قاسية ضد كبار الضباط، هي ظاهرة خطيرة للغاية تضر بالأمن والتماسك الاجتماعي، وسمعة إسرائيل الدولية”. وأكد على وجوب “التعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة بحزم وبشكل فوري.” وبدا واضحا أن هناك بوادر انقسام داخل الجيش وقطعان المستعمرين من الميليشيات الصهيونية، ما ينذر بإشعال فتيل “حرب أهلية كبرى” في إسرائيل، وفق قراءة المحللين الإسرائيليين. وبحسبهم، فإن الأزمة انفجرت في وجه الكثيرين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء، وتحمل أبعادا معقدة. لدرجة أنها عطلت “المشاورات الأمنية للرد على حادثة “مجدل شمس” وهذا يعتبر ضعفا وانتصارا للعدو.
وتعقيبا على ذلك، قال المحلل بن كاسبيت، الذي نشره موقع “واللا” العبري، “أن مقاطع الفيديو التي يظهر فيها المئات من “المدنيين الإسرائيليين”، وهم يحاولون هدم بوابات القواعد العسكرية في مواجهة الجنود، هي إشارة قوية ورمز التفكك داخل إسرائيل.” وأضاف “اننا أصبحنا على طبق النمر، بل وفي يد الشيطان.” وسخر المحلل من ادعاءات نتنياهو الكاذبة “أننا على بعد خطوة واحدة من النصر الكامل”، قائلا “بل الحقيقة أننا على بعد خطوة واحدة من الحرب الاهلية.”
هذا التطور لا يمكن قراءته، على إنه مجرد مناورة لقطع الطريق على ملاحقة القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية في المحاكم الدولية، وخاصة محكمة الجنائية الدولية، وانما هو خطوة كمية على طريق تصاعد التناقضات داخل المجتمع الإسرائيلي، الذي يعيش مجموعة من الازمات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية العسكرية وتداعياتها على مستقبل دولة المشروع الصهيوني. ويعكس الصراع المتنامي بين مكونات وقطاعات المجتمع الإسرائيلي، وخاصة بين قوى الصهيونية الدينية وميليشياتها المنفلتة من عقال القانون الإسرائيلي والأكثر تطرفا وفاشية مع الجيش الإسرائيلي وأجهزة الامن المختلفة، وتحمل في طياتها تعمق التناقضات داخل إسرائيل، بما يشي ولوجها محطة نوعية في المستقبل نحو الحرب الاهلية.
ولم تأتي عملية الاستدعاء للجنود ال9 المتهمين بارتكاب جرائم تعذيب وحشية واعتداءات جنسية على اسرى الحرية الفلسطينيين، الا بعدما فاحت رائحة الموت والابادة الجماعية ضد الاسرى في السجون الإسرائيلية، وخاصة في معسكر الجيش السادي “سدي تيمان”، الذي فاق فيه التعذيب الهمجي كل معايير القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وحقوق الانسان الأممية، حيث نشرت صحيفة “هارتس” الإسرائيلية أمس، أن المحققين وحراس المعسكر مجرمي الحرب، أعدموا 46 أسير حرب من الفلسطينيين، منهم 36 اسيرا فلسطينيا من قطاع غزة، حسب معطيات الصحيفة. بيد أن الأرقام الحقيقة، التي لم يعلن ويكشف عنها حتى الان، هي أكثر من ذلك بكثير.
وهذا يتطلب من المجتمع الدولي عموما ومنظماته الأممية ذات الصلة بحقوق الانسان الارتقاء الى مستوى المسؤولية في ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، والاستفادة من الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، الذي أعلنه قضاتها يوم الجمعة 19 يوليو الحالي، وتبني هيئة الأمم المتحدة له. لا سيما أانها هي من طلب من المحكمة ابداء الرأي بشأن طبيعة الاستعمار الإسرائيلي أمس الثلاثاء، التي دعت الدول المختلفة الى اتخاذ إجراءات لمقاطعة إسرائيل النازية، قبيل صدور قرار رسمي من هيئاتها المختصة بشأن الرأي الاستشاري.
كما ان المطلوب فلسطينيا في المدن والمخيمات والقرى والتجمعات كافة إحياء اليوم العالمي لأسرى الحرية الفلسطينيين يوم السبت القادم 3 أغسطس القادم، كما يليق بالوحدة والتكافل معهم، بحيث تصل صرخة الشعب الى ارجاء العالم قاطبة، والتأثير الإيجابي في الارتقاء بملفهم وقضيتهم الى المؤسسات الأممية والعربية كافة، لتصبح الى جانب وقف الإبادة الجماعية على أبناء الشعب في عموم الوطن وخاصة قطاع غزة قضية القضايا العالمية، ويتم عزل ومحاصرة إسرائيل كدولة لقيطة ومارقة وخارجة على القانون الدولي.

شاهد أيضاً