هكذا يحمي القانون الإسرائيلي مرتكبي جرائم التعذيب ضد الفلسطينيين

السياسي – أعادت حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة ضد قطاع غزة التذكير بجرائم التعذيب التي يتم ممارستها ضد الفلسطينيين بشكل منهجي وبغطاء قانوني يضمن حرية الجناة، وهو ما ظهر للسطح مرة أخرى مع الكشف عن الجرائم المرتكبة في  قاعدة “سدي تيمان” العسكرية سيئة السمعة جنوب الأراضي المحتلة.
ومع بداية الحرب حوّل الاحتلال القاعدة العسكرية إلى مركز احتجاز في صحراء النقب على بعد 30 كيلومترا من قطاع غزة في اتجاه مدينة بئر السبع، ونقل إليه العديد ممن اعتقلهم في غزة، بينهم أطفال وشباب وكبار في السن.
وأكدت تقارير حقوقية وإعلامية أن جنود الاحتلال ارتكبوا في هذا السجن انتهاكات حقوقية فظيعة وبشعة في حق الأسرى، ومارسوا عليهم مختلف أصناف التعذيب والإهانة.
وظهرت أول التقارير عن هذه الانتهاكات في كانون الأول/ ديسمبر 2023، عندما كشفت صحيفة “هآرتس” عن حالات تعذيب للأسرى في هذا المعسكر، ثم تلتها فيما بعد تقارير إعلامية وحقوقية أخرى في السياق نفسه.
وفي أيار/ مايو الماضي، وثقت “شبكة سي إن إن” الأمريكية من خلال تحقيق نشرته، شهادات من قبل سجّانين إسرائيليين ومعتقلين تم الإفراج عنهم، تتحدث عن تعذيبٍ وظروف اعتقال تنتهك القوانين الدولية.

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، في تموز/ يوليو الماضي، أنّ 10 جنود إسرائيليين، أصابوا أسيرا فلسطينيا من قطاع غزة بجروح خطيرة في “سدي تيمان” التابع للجيش.
ونقل الأسير إلى المستشفى الميداني مصابا بكسور في الأضلاع وعلامات إساءة جسدية على عظام متعددة، مع ظهور أدلة على إدخال شيء مستدير عميقا في المستقيم، تسبب في تمزق في الأمعاء السفلية وتلف إحدى الرئتين مما تطلب جراحة طارئة.
ورغم أن الاحتلال بدأ التحقيق مع عشرة جنود حول جريمة الاعتداء على الأسير، قضت المحكمة العسكرية بتمديد اعتقال خمسة جنود فقط بينما جرى إخلاء سبيل خمسة آخرين.

أكدت “بيتسيلم” أيضا أن المحاكم العسكريّة في الأراضي المحتلة تخضع للقانون الدوليّ والإسرائيلي وعملت وفق ما جاء فيهما، رغم ذلك تنعكس الخروقات في ثلاث قضايا رئيسية وهي: تمديد فترة الحبس الانفرادي ومنع المعتقلين من لقاء محامي الدفاع لمدة تصل إلى 30 يوما، والصلاحيات الواسعة لجهاز “الشاباك” والمكانة العظيمة التي يتمتع بها دون الخضوع لأي نوع من الإشراف أو الرقابة، وصعوبة الطعن في مدى صحة قبول اعترافات الأسرى التي انتُزعت تحت التعذيب.
في أيلول/ سبتمبر 1999، أصدرت محكمة الاحتلال العليا قرارًا ينص على أنّ القانون الإسرائيلي لا يمنح لمحقّقي الشّاباك أيّة صلاحية لاستخدام وسائل تحقيق جسديّة، مضيفا في ذات الوقت أن أساليب التقييد المؤلم والهز وتغطية الرأس بكيس لفترة طويلة والحرمان من النوم كلها غير قانونيّة، وأن المحققين الذين تجاوزوا صلاحياتهم مستخدمين “الضغط الجسديّ” على المُعتقلين لن يتحمّلوا المسؤولية الجنائية جراء ذلك، بحسب ما ذكرت “بيستسلم” في تقرير آخر.
-القنبلة الموقوتة
أقر الاحتلال استثناء يسمح للمحققين باستخدام التعذيب، وأطلق على هذا الاستثناء اسم “القنبلة الموقوتة”، أي بحال علم المحقق بوضوح أن هناك عملية على وشك الحدوث ويتوجب منعها وإحباطها فيمكن له “نزع المعلومات ذات الصلة باستخدام وسائل عنيفة لإنقاذ الكثير من الأرواح”.
وبهذا فإن محققي الشاباك الذين نكلوا بمن تم التحقيق معهم تحت هذا المسمى مع الحماية من الملاحقة القانونية، ومنح هذا الاستثناء الشرعية الضمنية لمثل هذه الجرائم، على النقيض التام من روح القانون الدولي الذي لا يعترف بوجود استثناءات بسياق حظر التعذيب والتنكيل.
وعقب القرار، سُن قانون “جهاز الأمن العام” عام 2002 الذي يحدد الإطار القانوني لممارسات الشاباك، وشمل بندا يسمح للشاباك باستخدام العنف الجسدي بالتحقيقات، وتم تمريره وأُدراج هذا البند في قانون مكافحة الإرهاب، بحسب موقع “واينت”.
وبعد ذلك، جرى توسيع استخدام هذا القانون ومفهومه بشكل غير محدود عام 2017، ما نتج عنه إلغاء قرار المحكمة شرط وجود خطر ملموس ووشيك من أجل استخدام “الطرق الخاصة”، ويعمل القرار الجديد على تضليل حدود المسموح والمحظور، ويخلط بين جمع المعلومات عن “المنظمات الإرهابية” والأسلحة التي بحوزتهم وبين منع تنفيذ العمليات ما ما عرف باسم “القنبلة الموقوتة”، بحسب “هآرتس”.
وسمح القرار أيضا بتفسير موسع للسؤال عمن هم المشتبه بهم الذين يُسمح لجهاز الأمن العام باستخدام “طرق خاصة” ضدهم.
-الوضع الحالي
وبحسب التحقيقات التي صدرت مؤخرا، فقد جرى تجاوز هذه الأساليب والانتهاكات إلى حد كبير، إذ ترفض سلطات الاحتلال لقاء أي منظمات دولية أو محامين مع الأسرى الفلسطينيين الذين تعتقلهم من قطاع غزة، وترفض الكشف عن أي معلومات حولهم أو حتى عددهم وأوضاعهم المختلفة ومصيرهم سواء أحياء أم أموات.
وأكد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في تقرير له، أن فلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة والانتهاكات الجنسية منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وأن 53 على الأقل لقوا حتفهم أثناء الاحتجاز في سجون إسرائيلية.

وأثار تقرير الأمم المتحدة المكون من 23 صفحة، والذي يعتمد على مقابلات مع الأسرى المفرج عنهم وشهود الانتهاكات، وعلى المعلومات من وكالات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والكيانات الحكومية الفلسطينية والإسرائيلية ووسائل الإعلام، مخاوف بشأن التعذيب وسوء معاملة الفلسطينيين، بما في ذلك “الضرب المبرح، والصعق بالكهرباء، والإجبار على البقاء في أوضاع مجهدة لفترات طويلة، أو الإيهام بالغرق”.

وأكد التقرير “يُزعم أن قوات الأمن الإسرائيلية ارتكبت أعمال عنف جنسي ضد الرجال والنساء المعتقلين من غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس، مثل التعري القسري للرجال والنساء؛ والضرب وهم عراة، بما في ذلك على الأعضاء التناسلية والصعق الكهربائي للأعضاء التناسلية والشرج والإجبار على الخضوع لعمليات تفتيش متكررة مهينة؛ وتوجيه الإهانات الجنسية على نطاق واسع والتهديدات بالاغتصاب؛ واللمس غير اللائق للنساء من قبل الجنود الذكور والإناث على حد سواء”.
ووفقا لتقرير الأمم المتحدة، احتجزت “إسرائيل” أكثر من 9440 فلسطينيا بين 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ونهاية حزيران/ يونيو 2024.

شاهد أيضاً