طوال تجربة المفاوضات لإبرام صفقة التبادل للأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين خلال الشهور العشرة الماضية تلاعبت الإدارة الأميركية بها بطريقة مفضوحة، كشفت عن سياسة منهجية اتبعتها واشنطن لإفراغها من محتواها، وتبديد آفاقها ووفقا للأجندة والاهداف المشتركة الأميركية الإسرائيلية، غير عابئة بنزيف الدم الفلسطيني باهض الثمن، وهي تواصل المناورات المكشوفة، التي تعكس الإصرار الأميركي على إبادة الشعب الفلسطيني في الوطن كله، وليس في قطاع غزة فقط. رغم مرور 341 يوما من الإبادة الجماعية في القطاع، وتدير مع اداتها الوظيفية إسرائيل حربا مفتوحة على مداياتها في الضفة الفلسطينية بما فيها القدس العاصمة الأبدية لتحقيق أكثر من هدف، منها: أولا قتل العدد الأكبر من الشعب الفلسطيني؛ ثانيا تحقيق هدف التهجير القسري والتطهير العرقي للكل الفلسطيني إن أمكن ذلك، في استحضار للنكبة الأولى في العام 1948؛ ثالثا إخضاع من يتبقى من الفلسطينيين لمشيئة الهدف الإسرائيلي بإقامة دولة إسرائيل الكاملة على فلسطين التاريخية من البحر للنهر، والحؤول دون استقلال الدولة الفلسطينية على أراضيها المحتلة 1967؛ رابعا توسيع الاستيطان الاستعماري، بحيث يشمل كل الأرض الفلسطينية؛ خامسا إعادة هيكلة الوطن العربي والاقليم الشرق الاوسطي الجديد وفق مصالحها الاستراتيجية، وبما يؤمن تسيد إسرائيل على الإقليم كله، وليس الوطن الفلسطيني فقط.
ومن خلال المتابعات للسياسة الأميركية خلال عمليات التفاوض الممجوجة كلها، لاحظنا التلاعب الممل وفاقد الحد الأدنى من معايير التفاوض، والذي لا يستقيم مع أية أسس قانونية أممية، أو حتى ثنائية بين الدول والقوى المتصارعة، وإدخاله في دهاليز المماطلة والتسويف والمراوغة والاكاذيب والتضليل لتأليب الرأي العام الأميركي والعالمي على الشعب الفلسطيني ومقاومته الوطنية، عبر تحميله المسؤولية عن إدامة الإبادة الجماعية، وهو ما لا يتوافق مع الحقائق الماثلة في الواقع، ولا مع قرار مجلس الامن الدولي الصادر في 10 حزيران / يونيو الماضي تحت الرقم 2735.
ومن الأكاذيب الأميركية، سمعنا جميعا عن الجولة الأخيرة في 15 آب / أغسطس الماضي، وعن الاحد الحاسم الذي تلا الجولة بعد أسبوع، والان لجأت إدارة بايدن لنغمة وأكذوبة جديدة، مفادها، انه تم الاتفاق على 90% من نقاط الاتفاق بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ولم يتبقَ سوى 10% من النقاط، ليس هذا فحسب، بل انها مسبقا، أعلنت زورا وبتهانا ان حركة حماس وضعت شروطا جديدة، مع أنها أكدت للمرة الالف، انها ملتزمة بما تم الاتفاق عليه في مبادرة الرئيس الأميركي التي طرحت في نهاية أيار / مايو الماضي، وتم الاتفاق عليها في مطلع تموز / يوليو الماضي، وعنوانها قرار مجلس الامن الدولي، والتي هي بالأساس رؤية بنيامين نتنياهو للرئيس بايدن.
ومع ذلك، قام اركان الإدارة الأميركية بتحريف، وتدوير زوايا القرار الاممي، وعاثت به تدويرا وتشويها، انسجاما مع رغبة حكومة نتنياهو بمواصلة الإبادة الجماعية على الكل الفلسطيني. والاهم من كل ما تقدم، ان ال10% الباقية، تمثل ال100% من الاتفاق، المتعلقة بنوده بوقف الإبادة الجماعية بمراحلها ال3، وعملية التبادل للأسرى من الطرفين وأعدادهم، ومن سيفرج عنه، ومن لا يفرج عنه خاصة من الأسرى الفلسطينيين، والمطالبة المسبقة بأسماء الأسرى او كما يصفونهم بالرهائن الإسرائيليين الاحياء، والانسحاب من القطاع من عدمه. لا سيما وان الإدارة الأميركية وفريقها المفاوض يصر على بقاء إسرائيل في جزء من محور فيلادفيا، والكيفية لعودة النازحين الفلسطينيين من الجنوب الى الشمال، والاليات الانتقائية لذلك، والمدة الزمنية للمرحلة الثانية، وشكل اليوم التالي لعملية وقف إطلاق النار في القطاع، وآلية التعامل مع أذرع المقاومة الفلسطينية وقياداتها، هل سيستمروا في البقاء، ام سيتم ترحيلهم للمنافي، وغيرها من النقاط المركزية.
وعليه، فإن الحديث عن ال10% المتبقية من الاتفاق، هي كل الاتفاق، والتي بدون التزام إسرائيلي واضح بها، لا قيمة للاتفاق، ولن تكون هناك أي بارقة أمل لإبرام أي صيغة اتفاق لا تتضمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل، والافراج الكامل عن الاسرى مقابل الرهائن الإسرائيليين، وضمان دخول المساعدات الإنسانية ومشتقاتها المختلفة، بما فيها المساكن الجاهزة من كرافانات وخيام لايواء السكان الفلسطينيين، الذين دمرت بيوتهم بشكل كامل، او جزئي، ولم تعد صالحة للسكن، وعودة السلطة الوطنية الفلسطينية لاستلام مقاليد الأمور في قطاع غزة بما فيها المعابر المختلفة، والذهاب لمؤتمر دولي للسلام وفق رزنامة زمنية محددة قصيرة الآجال، لا تزيد عن شهور 6 بحد اقصى.
والنتيجة الماثلة للعيان، تؤكد أن الإدارة الأميركية مازالت ترفض إلزام إسرائيل بالانسحاب الكامل، وتغطي مواقفها وابادتها الجماعية على الشعب الفلسطيني، مما حدا بالأشقاء المصريين رفض عقد اية مؤتمرات أو اجتماعات ماراثونية جديدة، وتوافقت معها قطر ما لم تعلن حكومة الائتلاف الحاكم الإسرائيلية التزامها الواضح والصريح ببنود اتفاق 2 تموز / يوليو الماضي. الامر الذي يتطلب من المجتمع الدولي الضغط على الولايات المتحدة الأميركية ودولة إسرائيل اللقيطة من خلال فرض العقوبات السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية عليها. وعليه من المبكر الحديث عن إبرام أي صفقة لوقف الإبادة وتبادل الاسرى.