التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين ، مبادرة سعودية في سياق ملتهب.

*مروان أميل طوباسي .

 

تواجه المنطقة العربية وتحديدا منطقتنا بالمشرق العربي اليوم تحديات أمنية وسياسية معقدة في محاولة للسيطرة عليها في اطار ما يدور بمناطق اخرى بالعالم تحديدا في شرق وسط أوروبا وفي بحر الصين . فبحسب ما قاله بلينكين في وقت سابق “ان من يفوز بهذه الصراعات سيفوز بالسيطرة على العالم .” ولهذا نرى اليوم الطائرات القاذفة الأمريكية تحط في منطقتنا لهذا الهدف من تحقيق هيمنة الرؤية الأمريكية من خلال حليفها الإستراتيجي .

لقد أتى اندلاع عدوان الإبادة الجماعية والاقتلاع العرقي في غزة وامتداده الى الضفة الغربية وإلى جبهات أخرى وتحديدا لبنان ، في وقت كان فيه العالم على وشك رؤية توقيع اتفاق سلام بين السعودية وإسرائيل بوساطة الولايات المتحدة ، لو لم تندلع الأحداث الأخيرة في السابع من أكتوبر والتي لم تشكل صدمة لاسرائيل وحدها بل والعالم الذي بات قبل ذلك شبه معتاد على استدامة الأحتلال واستمرار قهر شعبنا ومشاهدة اكبر سجن مفتوح بالعالم ، بغض النظر حول ما يحيط تلك الاحداث من وجهات نظر مختلفة ، نحن لسنا في مجال بحثها في هذا المقال .

واليوم ونحن نقترب من الانتخابات الأمريكية وتوسعة الحرب بالأقليم وتصاعد المجازر ، تجري تحركات دبلوماسية سعودية حثيثة تبعا لما صرح به وزير خارجيتها بالأمم المتحدة حول ضرورات انقاذ حل الدولتين وتشكيل تحالف دولي بالخصوص . ورغم اهمية ذلك التوجه بشكل عام من حيث المبدأ ، فقد تم عقد اجتماع لدول عديدة بهدف إطلاق تحالف دولي لدعم حل الدولتين خلال الاسبوع الماضي بالرياض ، ورغم اهمية المعنى السياسي لتحشيد إجماع عملي دولي لهذا الخيار الأممي ، تثار عدة تساؤلات من اهمها ، ما هو الدافع الحقيقي وراء هذه المبادرة ، وما الذي تأمل السعودية في تحقيقه؟ وما هو المغزى السياسي من طرح حل الدولتين في الوقت الذي لم تتغير فيه السياسة الإسرائيلية أو الأميركية تجاه فلسطين وحقوق شعبنا وتحديدا بشان حل الدولتين نفسه او حتى بشان المبادرة العربية للسلام التي بادرت بها السعودية وتبنتها قمة بيروت لتشكل استراتيجية العمل العربي الرسمي من ذلك الوقت .

لقد أعلنت السعودية في السنوات الأخيرة دعمها لمبادرات السلام ، وتحديدا تلك التي تتماشى مع رؤية الولايات المتحدة لصفقة القرن، التي تهدف إلى تسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي عبر حلول سلمية تشمل بعض التنازلات من الطرفين. ورغم رفض منظمة التحرير الفلسطينية  لصفقة القرن واتفاقيات ابراهام ، باعتبارها منحازة تماماً لصالح إسرائيل ولن تؤدي الى الحقوق الفلسطينية من من خلال تجاوزها او القفز عنها . بقيت السعودية تسعى لتحقيق نوع من التهدئة الإقليمية وتوقيع اتفاق مع اسرائيل وتحقيق توازن في مواجهة النفوذ الإيراني والتركي المتزايدين في المنطقة . يبدو أن هذا المسار أصبح خيارا استراتيجيًا للمملكة لتثبيت موقعها كلاعب رئيسي في الساحة السياسية الإقليمية وصاحبة تاثير دولي ، الا انه ارتبط وفق تصريحات المسؤولين لاقامة الدولة الفلسطينية.

إلا ان الأحداث الأخيرة جاءت لتقلب الطاولة ، إذ وضعت قواعد جديدة للصراع وفتحت مرحلة جديدة من المواجهة. فقد دفعت هذه الأحداث الدول العربية، والسعودية خاصةً، إلى إعادة النظر في سياساتها، مع الحفاظ على واجبها في السعي نحو حلول دبلوماسية على الأقل .

من الواضح أن الظروف السياسية الحالية اصبحت تجعل من فكرة حل الدولتين شبه رؤية رومانسية رغم اهميتها وارتباطها بوثيقة اعلان الدولة والاستقلال بالمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد بالجزائر ، لما مثلته ايضا من إجماع سياسي وطني فلسطيني لبرنامج المنظمة والحركة الوطنية ، الذي ايضا نال موافقة حماس وفق اعلان ذلك بمناسبات عدة . هذا بالوقت الذي تواصل إسرائيل حرب الإبادة الهادفة الى الاقتلاع والأحلال لفرض واقع يهودي ديمغرافي  ، وسياسة الاستيطان في الضفة الغربية، باقتراب ان يصبح عدد المستوطنين مليون مستوطن ، فضلاً عن المصادرة الممنهجة للأراضي وضم اجزاء منها ، وتكثيف الاعتداءات في القدس وتهويدها .حيث تفرض هذه الحقائق الميدانية تعقيدات إضافية على إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة الى جانب الرفض المطلق السياسي من كل الاطراف الحزبية الصهيونية لاقامة ووجود دولة فلسطينية ، بل هي تاتي بالسياق المعاكس من اجل تنفيذ مشروع اسرائيل الكبرى على كل ارض فلسطين التاريخية بل ولتشمل اراضي دول اخرى من الجوار كما يعلنون هم .

كما أن موقف الولايات المتحدة الحالي لا يبشر بوجود ضغط حقيقي على إسرائيل كما هو تاريخياً لاعتبارات التماهي الحضاري والعقائدي والشراكة الأستراتيجبة ، إذ تكتفي واشنطن بإصدار بيانات مكررة حول التهدئة من دون اتخاذ أي إجراءات جادة ، بل وحتى دون توضيح معنى الدولة الفلسطينية من حيث الجوهر والشكل والحدود من خلال حديثها عن حل الدولتين دون إنهاء الأحتلال ، والذي لا يعني سوى ذرا للرماد بالعيون في اطار سراب أمريكي معتاد لخدمة مصالحها  .

يضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة، التي تُعتبر الوسيط الأكبر لعملية السلام التي كانت مفترضة ، تتخذ موقفاً متواطئاً بل وشريكا بالكامل  ، حيث دعمت استمرار إسرائيل وما زالت في شن العمليات على غزة وشاركت معها حتى على الارض وفي السماء والبحر ، وحافظت على علاقات قوية معها دون اعتبار لمعاناة الفلسطينيين بل وحتى لحلفائها من العرب بالمنطقة ، وقدمت لدولة الاحتلال لها الحماية السياسية والدبلوماسية المطلقة حتى في إعاقة اي قرار في مجلس الامن حول مكانة الدولة الفلسطينية على اثر قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

لعل ما يثير الدهشة هو غياب موقف عربي موحد وقوي تجاه ما يجري في فلسطين وما تبعه في لبنان وهو ما بضعف وجود اي آليات وخطط تنفيذية لفرض حل الدولتين .

في المقابل، أتخذت بعض الدول من أميركا اللاتينية وغيرها ، مواقف شجاعة حيث قامت بقطع علاقاتها مع إسرائيل أو بسحب سفرائها كإدانة لما يجري في غزة ومنع تصدير الأسلحة ، بينما اقتصرت التحركات العربية الرسمية على بيانات إدانة غير مؤثرة . ومع غياب مشروع قومي عربي منذ عقود خلت ، يبدو أن الموقف العربي الان يعاني من غياب الإرادة في اتخاذ خطوات دبلوماسية حازمة تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، التي تواصل الاستفادة من الدعم الأميركي دون أي ضغوط تُذكر .

وهنا فقد يتساءل البعض عن الفائدة الحقيقية من إنشاء التحالف الدولي لدعم حل الدولتين في هذا التوقيت تحديداً . هل تسعى السعودية من خلال هذه المبادرة فقط لإظهار موقعها كقائد في الساحة السياسية العربية والإقليمية، منافسةً لإيران وتركيا وربما لمصر والأردن ايضا وهم الأقرب على فلسطين ؟ أم أنها خطوة تحمل فعلاً نية لتحقيق تغيير حقيقي ، وما هي الخطة التنفيذية لذلك ؟
من الواضح أن السعودية تدرك أن تحقيق حل الدولتين يتطلب إنهاء الأحتلال والأستيطان وضغطا دوليا موحدا وإرادة سياسية قوية تلتزم بفرض عقوبات على إسرائيل في حال عدم التزامها . ومع ذلك، إذا لم يمتلك التحالف الدولي آليات واضحة لتنفيذ هذا الحل، مثل فرض عقوبات أو دعم جهود المساءلة الدولية او تأييد تجميد او فصل اسرائيل من المنظمة الدولية ، فإن المبادرة قد تبقى رمزية في أحسن الأحوال .

لتحقيق تقدم في هذه المبادرة من الضروري أن يتجاوز التحالف الدولي إطار البيانات الدبلوماسية. على الدول العربية والدول الاخرى المشاركة ، بما في ذلك السعودية، النظر في اتخاذ خطوات دبلوماسية واقتصادية حازمة، سواء عبر تخفيض العلاقات مع إسرائيل، أو عبر الضغط على الولايات المتحدة من خلال مصالحها الاقتصادية ووجود قواعدها العسكرية على أراضيها لوقف حرب الإبادة الجارية بحق شعبنا فورا اولا  . يبقى من الضروري استلهام مواقف بعض الدول التي دعمت شعبنا الفلسطيني بطرق ملموسة، والاستفادة منها كنماذج يمكن اتباعها ، او اجراءات سابقة اتخذتها الدول العربية عام ١٩٧٣ من جهة ، وتمتين العلاقات مع دول مجموعة البريكس وخاصة الصين وروسيا وإيران ودول أمريكيا اللاتينية .

وهنا يبقى التساؤل الأهم وهو ، إلى متى ستبقى الدول العربية حبيسة المصالح المؤقتة النابعة من العلاقات مع الولايات المتحدة التي بدورها لا تحرص حتى على أصدقاءها من غير اسرائيل ، ودون أن تكون للاشقاء الكلمة الحاسمة في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية عمليا بهدف استعادتها لشعبنا الأصلاني على هذه الارض التي تبقى وطناً لنا  تحت اي ظرف من الحلول السياسية ؟ يبدو أن الحاجة ماسة لإعادة التفكير على الاقل في استراتيجيات المواجهة الدبلوماسية في وجه الاحتلال الإسرائيلي بل والولايات المتحدة ، لأن كل تأخير في اتخاذ قرارات حاسمة يؤدي إلى مزيد من تآكل الحق الفلسطيني وتعريض شعبنا الى مزيدا من المحارق وإلى مزيدا من تفتيت المنطقة .

شاهد أيضاً