أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن
بعض التيارات السياسية التي مثلت جزءا هاما من التاريخ السياسي والذي يستند بالنسبة لي لمعطيات الراهن وما يوجبه من نجاعة في التحليل وبناء الموقف …
الاخوان تأسسوا منذ عشرينات القرن الماضي خاضوا معركة الدعوة واقتحموا مجال السياسة، امتهنوا كل الاشكال، القانوني منها والمحظور. وظفوا الخطاب كما وظفوا السلاح… كانوا مع النظام كما كانوا عليه تذيلوا لبعض شقوقه وانقلبوا عليه… هم مكوّن أساسي من مكونات القرن العشرين لا يمكن القفز على هذا المعطى لتجنب تهمة الاسفاف والمبالغة في نقد الاخوان…
الدافع الثاني لنقدي تجربة الاخوان هو تحول الاسلام السياسي الى حجر الزاوية في الاستراتيجيات الامريكية الموجهة للشرق الاوسط وشمال افريقيا بعد ١١ سبتمبر ٢٠٠١…
الاخوان ليسو مجرد مكون من مكونات المشهد السياسي في المنطقة العربية، بل هم الجزء الاشكالي في جسم عربي مريض يحاول التعافي…
لست متحاملة على أي طرف لكنني أعتبر أن “الجماعة” ليست بريئة من الاتهامات التي تلاحقها منذ أن تأسست تماما كما أن انشغالي بهذه التجربة مردّه أن الاخوان تحولوا منذ ٢٠١١ إلى موضوع مراهنة من القوى الاستعمارية التي أرادت إغراق العالم العربي في ظلمات صراع التراث والهوية لتغذية منزع التقوقع والانغلاق والتعصب…
لا أزال أستحضر فقه العلم والتخلف الذي شكل محورا مركزيا من محاور الاختراق الاخواني للفضاء العام… هذا المحور لخصه حوار بين الاخواني المصري وجدي غنيم ونائب رئيس حركة النهضة عبد الفتاح مورو حيث أجاب مورو عن سؤال حول التعاطي مع العلمانيين “غايتنا ليس هم بل أبناؤهم” . هذا والمعلوم أن وجدي غنيم هو صاحب النظرية العبقرية” لختان البنات”…
لست أتجنى على الاخوان وإنما أي متابع يمكنه أن يقف على أمرين، الاول أن الاخوان لا تعنيهم الدولة ولا يعتبرون المجتمع بقدر ما تستوعبهم الجماعة فلا يرون غيرها وهم في الحكم ولا يؤمنون إلا بقداستها.
هل من المبالغة أن نقول بأن الارهاب ازدهر بالفعل زمن حكم الاخوان؟ وأنه تراجع وأفل بعد رحيلهم من الحكم؟
الاخوان يثابرون في انتهاج المغالطة ومحاولة الاستثمار في المظلومية للعودة لمواقع الحكم والتأثير. وليس ما تعرضت له من قمع بالغريب عن ممارساتهم السابقة.
الاخوان فوتوا على انفسهم فرصة تاريخية لتحقيق مصالحة شاملة حول عقد اجتماعي يضمن للجميع حق الوجود والنشاط،،، لكنهم باشروا استحقاق الحكم بغطرسة المنتقم وعنجهية من اعتقد انه في مأمن من خداع التاريخ…
الاخوان في تونس لم يستهدف منهم الا الرأس، فالقيادة فقط من زج بها في السجون، في حين أن الحركة لا تزال قائمة ونشيطة ولو وراء ستار…
لست من دعاة قمع أي طرف، لكن من حق كل طرف نقد الآخر وبيان حدوده…
العالم العربي يحتاج اليوم اكثر من أي وقت مضى لنفَس تحرري يخلصه من فخ الرجعية والتخلف، ليكون بالفعل مؤهلا للتشكل الديمقراطي مكتمل الاركان والابعاد…
أكيد لا يغريني الخطاب الديمقراطوي للاخوان بعد أن غادروا الحكم وعادوا الى المربع الاول بعد أن منحهم التاريخ فرصة الحكم والقيادة…
آسفة، لست من الذين ينبهرون بمسرحيات “النضال اللامشروط”… من قال إننا نناضل ارضاءً لله كاذب وسفيه حتى وإن تعرض هو نفسه للقمع.
أتعاطف مع كل مقموع ولا أؤمن به بالضرورة.
لقد سعى الاخوان خلال حكمهم الى تفكيك بنية الحياة السياسية باختراق الاحزاب وتفجيرها
(نداء تونس، تحيا تونس، قلب تونس، مشروع تونس… )
راهن الاخوان على تفكيك كل الاحزاب للاستمرار كقوة فاصلة وحاسمة، موحدة وسائدة. وإذا كان الامر من جوهر العمل السياسي فإن نتائجه كانت كارثية على الاخوان أنفسهم، حيث كان عزلهم أمرا هينا ويسيرا بعد أن عزلوا أنفسهم بأنفسهم عن المحيط السياسي…
هكذا حصل في تونس، فالاخوان بعد لقاء باريس بين راشد الغنوشي والباجي قايد السبسي والاتفاق على الحكم المشترك، انقلب الغنوشي على السبسي وأنكره ليدعّم إثر ذلك يوسف الشاهد المنقلب بدوره على الباجي قايد السبسي…
لست من أنصار الاستثناء أو التصفية، لست من دعاة العزل، لكنني أرفض الرومنسية الساذجة التي توهمنا بديمقراطية مستقرة بألوان زاهية…
سأثابر في الدفاع عن حقهم وحق الجميع في الوجود وسأواصل الدفاع عن حقي في مصارعتهم.
التايمز المصرية